الجمعة المنصرمة السادس من رمضان الحالي كانت جمعة غير سعيدة لكل مواطن سعودي حيث استشهد العقيد في حرس الحدود فهدالدوسري -رحمه الله- وعظم أجر أسرته.. لتستمر العملية الإرهابية بتفاصيلها التي اعلنها المتحدث الإعلامي لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي والذي كشف عن تفاصيلها بما فيها من عدد شهداء الواجب -عليهم رحمة الله- وقتلى الإرهابيين -كفانا الله شرهم وأمثالهم.. المحاولة -ولله الحمد- انتهت بتصفيتهم على يد رجال الأمن وانتحار البقية.. ماحصل عمل إرهابي بكل المقاييس وتم القضاء عليه بقوة أمنية تستحق أن نقف لرجالها احتراماً وتقديراً لتضحياتهم لحماية الوطن وحمايتنا من هؤلاء الأشرار مع دعواتنا للشهداء بالرحمة ولأسرهم بالصبر.. المعلومات الأولية تشير إلى أن أغلب تلك العناصر الشريرة سعودية وأيضاً من خريجي برنامج المناصحة.. مما يعني معه أن مواجهة الأرهاب لن تكون حاسمة بذراع أمني فقط، بل هي عمل استراتيجي ينطلق عبر أكثر من مسار وبنفس القوة في شراكة مؤسسية تقوم على رؤية مستقبلية لا تخضع للعاطفة او الانحياز للمهادنة.. نحتاج لشراكة عملية بين الكثير من المؤسسات وخاصة ذات التماس المباشر مع الفكر ومع الشباب .. مؤسسات التعليم والإعلام وكل مؤسسات التعليم والثقافة التي تمثل مرتكزاً مهماً وحيوياً في بناء الفكر والاتجاهات في عقول الناشئة على وجه الخصوص.. مما يعني معه أننا في حاجة للأمن الفكري لمواجهة التطرف والتشدد بكل أشكاله ومساراته ومنتجه البشري. داعش تجسد اليوم في حضورها نموذجاً للانحراف الفكري المنتهي بممارسات عسكرية أشبه بحروب العصابات. البداية كانت حركة جهيمان ومن ثم القاعدة واليوم داعش والخلافة الإسلامية وغيرها من الجماعات المتطرفة حيث تسييس الدين. تتقاطع في مصالحها تارة مع أعداء الدين فلا تجد حرجاً في خدمة الأعداء، وتتقاطع مصالحها مع أعداء الأمس تحت عنصرية الطوائف فلا تجد أيضاً بأساً في تغيير المواقف وسفك الدماء بدم بارد لا يتفق مع أبسط أسس الإسلام ومنهجية الجهاد.. لا يعنيني هنا حقيقة تحليل هذه الشرذمة فهي امتداد لحركة جهيمان ومن ثم القاعدة.. بفكرهم المتطرف وإن اختلف العدو.. الإشكالية التي تعنيني كسعودية أن مواجهتنا لهذه الجماعات المتطرفة في الداخل مازالت أمنياً فقط، والنتيجة أن من قام بالهجوم على حدودنا هم أبناؤنا ممن تم اختطاف عقولهم فتم تحويل أجسادهم لقنابل موقوته تضرب أمننا كما حصل عدة مرات آخرها منفذ شرورة. في غير مقال أكدت وأكد غيري من كتاب الرأي ومن المهتمين بالأمن الفكري على أن مواجهة تلك الجماعات لا تكون أمنياً فقط، بل لابد من بناء استراتيجية للأمن الفكري وبشكل سريع وحاسم لا مهادنة فيه ولا مسايرة لأي فكر غير وسطي بممارساته وليس تنظيره، ولأي فكر يعزل المملكة العربية السعودية عن العالم أو يهدد وحدتنا الوطنية وتراب وطننا.. مواجهة هذا الفكر لا نريد أن تكون ناعمة كما كانت في السابق، فالمناصحة بواقعها الحالي تحتاج لإعادة نظر حتى وإن تم إيقافها.. إن لم تتحرك مدارسنا وجامعاتنا مع بداية العام الدراسي القادم بمواجهة هذا الفكر ومعتنقيه ممن يزرعونه في عقول أبنائنا في المؤسسات التعليمية بدءاً وبصرامة لا مهادنة فيها فإننا جميعاً سندفع ثمن هذا الفكر الشاذ. ثقتنا بقوة رجال الأمن البواسل لا حدود لها.. فنحن على ثقة بالله ثم بهم وقدرتهم على مواجهة هؤلاء وخلاياهم النائمة قبل أن يمسّوا وطننا ومواطنينا بضرر، ولكن أمننا الفكري مازال يختبئ تحت رداء وآخر، يوماً نعتقد أن مناصحتهم تثمر ويوماً نلبسهم مسمى لا يرتقي لشرهم، ومرة نشفق على نسائهم.. والنتيجة أنهم أعلنوا الحرب علينا وعلى حدودنا بدم بارد وقتلوا أبناءنا على الحدود في شهر الصوم..!! الأمن الفكري مطلوب وبقوة وإلا سنجد أننا مشغولون بمواجهة عصابات ترتدي الإسلام شعاراً فيما هي لا تمت للدين بأي صلة وهدفها نحن ووطننا وتمتد عبر أجيال وأجيال..