لم يكن هناك أصعب من مواجهة آفتين كادتا أن تعصفا ببلدنا وتنهشا شبابه وأفراده مثل آفتيْ الإرهاب والمخدرات، ولم يكن من السهل على عدة دول التصدي للإرهاب الذي هدد أمن كثيرين حول العالم، ونحمد الله ونذكر أنفسنا بنعمة الأمن والاستقرار التي أنعم الله بها علينا وعلى بلادنا، وحين نتحدث عن الأمن لا نستطيع إلا أن نستحضر قصص نايف بن عبدالعزيز رجل الأمن الأول (رحمه الله) والمعارك التي خاضها ضد الإرهاب والتطرف. وربما لا يعرف كثيرون من صغار السن بأن معركته مع الإرهاب بدأت منذ منتصف الستينيات، حين أسس جهيمان العتيبي مع آخرين أطلقوا على أنفسهم جماعة «الدعوة المحتسبة» التي كانت تعد امتداد لفكر الإخوان، وكانت أهدافها المعلنة هي الدعوة، وتهتم بمنهج السلف، وتحارب البدع وتحث على الكتاب والسنة وتحكيم القرآن، ولكن سرعان ما اتضحت أهدافها الأخرى غير المعلنة، حين سيطر جهيمان على الجماعة، وانحرف بها إلى توجه سياسي خاص به، أخذ نشاط تلك الجماعة الزائفة بالتوسع لاستقطاب الشباب في مختلف المدن السعودية، حيث كان أتباع جهيمان يؤمنون فيها بهجر المجتمع ووسائله المدنية والانعزال عنه، فتصدى لها نايف بن عبدالعزيز في تلك المرحلة المبكرة فلم يعجبهم ذلك وبدأوا في تكفير كل من يخالفهم، وتوالت المفاجآت حين دخل 270 شخصاً من جماعة جهيمان إلى الحرم المكي لأداء صلاة الفجر، وما إن انقضت الصلاة حتى قام جهيمان أمام المصلين في المسجد الحرام ليعلن للناس نبأ (ظهور المهدي المنتظر) وفراره من أعداء الله واعتصامه بالمسجد الحرام، فقدّم صهره محمد بن عبدالله القحطاني على أنه المهدي المنتظر الذي سيجدد هذا الدين ويحرر الجزيرة العربية من الظالمين، وطلب من أتباعه والمصلين مبايعة صهره بناء على رؤيا أوّلها وفسرها بنفسه، وتم احتلال الحرم في الأول من محرم عام 1400ه – 1979، أثناءها وجّه الأمير نايف بمحاصرة الحرم وعدم مواجهة هذه المجموعة بحنكته الأمنية حتى تتجلى الصورة حفظاً لحياة الأبرياء؛ فتحركت قوات الأمن وتمكنت مجموعة منها من الدخول إلى مبنى الحرم، وتحصنت في مواقع محددة بانتظار أوامر الهجوم، فيما كانت الجماعة المسلحة تجبر الناس على مبايعة المهدي المزعوم تحت تهديد السلاح، بعد أن اتضحت الصورة قرر نايف بالتعاون مع قوات الأمن والجيش والحرس الوطني وضع حد لتلك المهزلة وإنهاء الحصار، ففي الخامس عشر من شهر محرم عام 1400 قاموا بتنفيذ عملية تطهير استمرت يومين بعد أن حوصرت المجموعة المسلحة وتمت مطاردتها في أضيق نطاق وأصغر مساحة داخل الحرم، حتى تقوقعوا في الدور السفلي للمسجد، وتم قطع الكهرباء والمياه عنهم فاستسلمت مجموعة منهم وتم مواجهة والقبض على المجموعة الأخرى بعد انهيار معنوياتهم بانتشار خبر مقتل المهدي المزعوم. وفي الثمانينيات أُعيد إحياء فكر جهيمان، حيث بلغت الجرأة ببعض المنظرين في مهاجمة دولتهم، وتكفيرها، فوجد (سيد الصقارين) نفسه مضطراً لخوض معركتين: الأولى محاربة الفكر المتطرف من المؤسسات التعليمية والمالية والدينية لحماية المجتمع، والثانية كشف زيف تلك الجماعات بتعرية أفكارهم الخاطئة حتى لا يتأثر بها المخدوعون من جهة، ومواجهة نشاطات تلك الجماعات التي عادت من أفغانستان تحت اسم (القاعدة)، وأكمل معركته بتفكيك الخلايا المتعددة التي شكلتها القاعدة مسبقاً في عدد كبير من الدول، وكان حصن الوطن والدرع الواقي الذي صد انتشار وتشعب الإرهاب والعنف في المملكة، لذلك حظيت تجربته في مقاومة الإرهاب بكل تقدير من الشعب والأسرة الدولية، وطالبت عدة دول بضرورة الاقتداء والاستفادة من تجربته في اجتثاث الإرهاب من جذوره، بعد أن تمكن من إحباط 90% من العمليات الإرهابية في السعودية، الموجهة إلى قطاع الطاقة والنفط في المنطقة الشرقية على وجه الخصوص، وأفشل محاولات لتفجير طائرات، ومحاولات أخرى جبارة لتهريب المخدرات تستهدف شباب الوطن، حيث تعد مكافحة المخدرات من أكبر التحديات التي أخذها على عاتقه بعد الإرهاب، فكانت ضرباته الميدانية الحديدية للجماعات الضالة موفقة أضاف إليها نجاح مميز في الاحتواء، بعد أن أرسى استراتيجية لتحجيم الإرهاب ومحاصرته، ولابد أن يسجل المراقب لنشاطات الداخلية تلك المجهودات الجبارة في إحباط عدة عمليات لتهريب كميات لا تعد ولا تحصى من المخدرات والحبوب التي يستمر أصحابها من تكرار المحاولات للاختراق الأمني تبوء بالفشل في كل مرة، فتارة عن طريق حشوها في إطارات للسيارات وتارة في عبوات للحليب والطماطم، وتارة أخرى تُحشى في خبز للساندويتش مغلق بإحكام، ولا يخفى على المواطن حجم الكميات غير المعقولة من الحشيش والهروين والكبتاجون المهربة التي تستهدف بشكل مباشر مجتمعنا وشبابنا في الدرجة الأولى من أجل الكسب المادي السريع، وإفساد وهدم أهم ثروات الوطن وهم شبابها، لذلك تعد الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من أقوى قطاعات الأمن العام في الداخلية التي أولاها جل اهتمامه، إذ تملك كوادر أمنية مدربة تدريباً رفيع المستوى تصدت لملايين من الأطنان المهربة، ولكن بفضل الله تم إحباط تلك العمليات، التي اعتمد فيها (قائد الأمن والاستقرار) في نهجه على ثلاث دعائم تهتم في الدرجة الأولى بتدريب الكوادر الأمنية السعودية وتجهيزها بعد أن أسس وحدة خاصة بمكافحة الإرهاب والمخدرات، والعمل بجدية على توعية الحس الأمني لدى المواطن، وفتح باب للتوبة للشباب الذين تم استغلالهم من قِبل عناصر القاعدة واحتوائهم فكرياً وإعطائهم فرصة ثانية للحياة بين الناس من خلال مبادرة «المناصحة». عظّم الله أجرك أبا متعب ورحم الله أبا سعود (سيد صقاري الجزيرة)، وغفر الله له، وإن غطاه الثرى فحصن الوطن إن شاء الله باقٍ.