لبلاد الرافدين تاريخ عريق تمتد جذوره عبر القرون، فلقد شهد دجلة والفرات قيام حضارة فريدة انتقلت أصداؤها إلى مشارق الأرض ومغاربها، فكانت رافدا لتقدم الشعوب ورقيها. تلك حضارة احتضنت جهابذة الابداع وأثمرت العلم والمعرفة، ونقلت الإنسان من طور إلى طور، هذا ما سجله التاريخ وحفظه، وهذا ما نستذكره هذه الأيام حينما نرى ما حل في هذا القطر العربي من بلاء يضاف لما سبقه من بلايا توالت فتراكمت حتى أنهكت مقدرات البلاد، وقطعت أرزاق العباد، وصار مشهد الخوف والرعب حاضرا في كل زاوية ومكان. واليوم نرى القتل والخراب قد عم العراق، وكأن قدره الخروج من نفق والدخول في آخر، بعد الغزو الأمريكي للعراق - عام 2003م - لاح في الأفق شيء من الأمل، واستبشر العرب بتعافي العراق، وعودته داعما ومساندا لمواقف العرب التي كانت ولا تزال في أمس الحاجة لدور بغداد في شتى مناحي الحياة، لا سيما السياسة والاقتصادية، لكن جرت الرياح بما لا يشتهي العرب وقبل ذلك ما لا يشتهي أبناء العراق أنفسهم، فالحكومة العراقية لم تحقق للشعب عبر عشر سنوات خلت أيسر احتياجاته، رغم ما تكتنزه الأرض تحت أرجلهم من ثروات، وظل الأمن أكبر هاجس يؤرق العراقيين، واشتعلت الطائفية بين أفراد المجتمع، فأتت على ما تبقى من آمال الشعب، حتى أصبحت السلامة أمل الجميع. وما آلت إليه الأمور نتيجة متوقعة لسياسة المالكي التي فشلت في استيعاب كافة طوائف المجتمع، بل وجنحت للطائفية والحزبية، وعلى أثر ذلك اهتزت الثقة بالقائد الذي يفترض أن يسعى جاهدا لتوفير بيئة محلية تقبل الجميع دون تمييز، والخطير في هذا الشأن أن العراق بات أرضا خصبة للجماعات المسلحة التي قد تنفذ أجندة خارجية تهدف لزعزعة ربما أمن واستقرار عدد من دول المنطقة!