أكَّد مختصون أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها أصبحت كالوقود الذي ما إن يرى شرارة إلا وعمل على تأجيجها ونشرها لتبلغ الآفاق، من دون أن يحسب حساباً للآثار التي يمكن أن تعقب هذا العمل، مضيفين أن ذلك أوجد لكثير من ضعاف النفوس بيئة خصبة لممارسة هواياتهم في بث المعلومات المغلوطة والترويج لأخبار غير صحيحة مطلقاً ومفتقدة الصدقية، مشيرين إلى أن البعض قد يساهم في نشر تلك الشائعات وانتشارها بين أفراد المجتمع، وذلك عبر إرسال كل ما يصله من أخبار أو معلومات إلى غيره من دون أن يتحقق من مصدره، داعين الجهات المعنية إلى التصدي لتلك الشائعات والقضاء عليها في مصادرها، إلى جانب المبادرة بنشر الحقائق وتعزيز الشفافية، لافتين إلى أن هناك حاجة اليوم إلى حملة اجتماعية تركز على وقف تداول الشائعات بين أفراد المجتمع، إلى جانب وقف استقاء الأخبار من المصادر المشبوهة، وكذلك التركيز في أن تكون مصادر المعلومات رسمية وموثوقة. وأجمع حوالي (82%) من المشاركين في الدراسة الاستطلاعية التي أجراها "مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني"، ممثلاً في وحدة استطلاعات الرأي العام حول واقع الشائعات في المجتمع السعودي، أن الرأي العام يتأثر بالشائعات، وشدد ما نسبته (82.9%) من المشاركين على أن الشائعة تسهم في التأثير على الرأي العام، بينما أجاب (17.1%) منهم بالعبارة "لا". وشملت الدراسة (1049) فرداً، منهم (740) من الذكور و(309) من الإناث، وبلغت نسبة هامش الخطأ (2.84) عند مستوى ثقة (95%)، وتم اختيار عينة الدراسة الاستطلاعية بطريقة عشوائية باستخدام برنامج حاسوبي مصمم خصيصاً لهذا الغرض، ومثل أفراد عينة الدراسة جميع مناطق المملكة، إذ رأى نحو (69.2%) منهم أن الشائعات واسعة الانتشار بين أفراد المجتمع، في حين أكد نحو (23.1%) منهم أنها متوسطة الانتشار، ونحو (7.7%) يرون أن انتشار الإشاعات في أوساط المجتمع قليلة. وأكد (50%) من المشاركين في محور الدراسة الخاص بمدى التحقق من الشائعات، على أنهم حريصون على التأكد من المعلومات أو الأخبار التي تصل إليهم قبل تداولها والترويج لها، فيما أكد نحو (65%) أنهم لا ينقلون ما يصلهم من معلومات أو أخبار غير موثوقة إلى الآخرين دون الرجوع إلى المصدر، في حين أشار (11%) منهم إلى أنهم ينقلون الشائعات إلى الآخرين دون الرجوع إلى المصدر. نشر الشائعات وقال "د. إبراهيم باداود" - مدير عام تنفيذي لمبادرات عبداللطيف جميل الاجتماعية: "تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبراً نشر في العديد من الصحف الإلكترونية وبعض المواقع الإخبارية، يشير إلى تغاضى حكومة دبي عن مخالفات السائقين السعوديين الزائرين للإمارة هذا الصيف، ومنذ سماعي الخبر لم أصدقه ولم أتخيل أن مثل هذا القرار يمكن أن يصدر من حكومة دبي"، مضيفاً أنه إن تم ذلك فإنه يعني أن السائقين السعوديين في "دبي" سيصبح لهم معاملة خاصة. وأضاف أن ذلك يعني أن يسأل شرطي المرور السائق المخالف أولاً: هل أنت سعودي؟، فإن كانت إجابته: "نعم" أخلي سبيله وإن كانت "لا" تمت محاسبته، موضحاً أن ذلك أمر غير منطقي لا يمكن تصديقه، مشيراً إلى أن الصحف والمواقع نفسها أعلنت بعد ساعات قليلة من نشر الخبر أن شرطة "دبي" نفت الخبر جملة وتفصيلاً، لافتاً إلى أن هذه الواقعة تبرهن على الأثر السلبي لبعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية ودورها في نشر الشائعات. وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها أصبحت كالوقود الذي ما إن يرى شرارة إلا وعمل على تأجيجها ونشرها لتبلغ الآفاق، من دون أن يحسب حساباً للآثار التي يمكن أن تعقب هذا العمل، مضيفاً أن بعض هذه الشائعات له أثر سلبي، كما أنها تعد في كثير من الأحيان بمثابة "الشعلة" التي يبدأ منها الحريق، ليقضي على كل رطب ويابس، لافتاً إلى أن بعضها مثل السم أو المرض الخطير في المجتمع، فإن لم يتم مقاومته فإنه قد يتمكن من كل أجزاء المجتمع، ليصبح مجتمعاً مسموماً أو مريضا يوشك أن يموت. وأكد أن هناك حاجة اليوم إلى حملة اجتماعية تركز في وقف تداول الشائعات بين أفراد المجتمع، إلى جانب وقف استقاء الأخبار من المصادر المشبوهة، وكذلك التركيز في أن تكون مصادر معلوماتنا من مصادر رسمية موثوقة، مضيفاً أن البعض قد يساهم في نشر تلك الشائعات وانتشارها بين أفراد المجتمع، وذلك عبر إرسال كل ما يصله من أخبار أو معلومات إلى غيره من دون أن يتحقق من مصدره، داعياً الجهات المعنية إلى التصدي لتلك الشائعات والقضاء على مصادرها، إلى جانب المبادرة بنشر الحقائق وتعزيز الشفافية والصراحة، وكذلك تعظيم الصدق في وسائل الإعلام الرسمية. حريات مطلقة وأوضح "خالد الخيبري" - مدير العلاقات العامة، والمتحدث الرسمي بالطيران المدني - أن وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم أسباب توسع ظاهرة الشائعات في المجتمعات، مضيفاً أنَّ كثير من الأشخاص وجدوا حريات مطلقة للتعبير عن آرائهم والزج بها إلى ساحة يتابعها الملايين من دون رقيب أو حسيب، مشيراً إلى أن الأمر أصبح مقتصراً على عبارات يتم بثها عبر الحساب الشخصي لهؤلاء على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، ما سمح بتداولها على نطاق واسع. وأضاف أن ذلك أوجد لكثير من ضعفاء النفوس بيئة خصبة لممارسة هواياتهم في بث المعلومات المغلوطة والترويج لأخبار غير صحيحة مطلقاً ومفتقدة الصدق، موضحاً أن بعض كتاب الصحف ومحطات إخبارية مرموقة وقعوا في فخ الأخبار غير الدقيقة، مستشهداً في هذا الشأن بحادثة فتح حقيبة إحدى المواطنات قبل مدة، مبيناً أن الحادثة أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي فترة من الزمن، لافتاً إلى أن الأمر حدث حينما كانت المواطنة قادمة من خارج "المملكة" عبر "مطار الملك فهد الدولي". وبين أن المواطنة غردت عبر حسابها في "تويتر" عن العبث في حقيبتها، مضيفاً أن الحادثة كانت مادة رئيسة لاثنين من كبار الكتاب في الصحف السعودية، وذلك حين تعاطوا مع الخبر على أنه حقيقة، موضحاً أن إحدى القنوات الإخبارية العريقة وقعت في الفخ نفسه، وذلك حينما طالبت بفتح تحقيق عن الأمن في المطارات، مشيراً إلى أنه بعد التدقيق في المعلومة وتتبع سير الحقيبة منذ نزولها من الطائرة إلى صالة القدوم، تم اكتشاف أن الحقيبة فتحت في المحطة التي قدمت منها المسافرة خارج المملكة. ولفت إلى أن المواطنة تراجعت عن موقفها بعد كشف الحقائق بالتوثيق المرئي، مضيفاً أنها غردت عبر حسابها وكتبت اعتذاراً عن اتهامها للعاملين في "مطار الملك فهد"، موضحاً أنه أُسقط في يد المتعجلين الذين استبقوا الأحداث وعلقوا على الخبر من دون التثبت من صحته، مبيناً أن الإشكالية هنا هي في ما ثبت في أذهان بعض المتلقين لتلك الأخبار غير الدقيقة من أن المعلومة صحيحة، بينما هي في الواقع عكس ذلك. وأشار إلى أن استراتيجية أولئك الأشخاص تتلخص في جمع المعلومات عن الشائعة ومضامينها وتحليلها من حيث الشكل والمضمون والأسباب والدوافع والجمهور المستهدف، قبل أن يردوا بشكل مباشر على الشائعة من دون استخدام أو إعادة العبارات الواردة فيها عبر إيضاح الحقائق والمعلومات التي تنفي وتكشف حقيقة تلك الشائعة، مضيفاً أن المتحدث الرسمي يتولى تكذيب تلك المعلومات ويدلي بالحقائق من دون الدخول في سرد تفاصيل الشائعة؛ ما يحفظ صدقيته لدى الجمهور المتلقي ويقلل من أهمية مصدر الشائعة الذي يكون هدفه الأساسي لفت الأنظار إليه. سلوك اجتماعي وأوضحت "أماني العجلان" - أخصائية اجتماعية - أن الشائعات سلوك اجتماعي يمارس لتسليط الضوء على مشكلاتنا وإبراز بعض الجوانب السلبية، مضيفة أنها لا تقتصر على السعوديين فقط، بل تمتد إلى كل شعوب الأرض، مشيرة إلى أن الإقبال الكبير للمواطنين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يكشف بجلاء تأثيرها في انتشار الشائعات، مبينة أن عدد مستخدمي شبكة "الانترنت" في المملكة بلغ حوالي (16) مليون مستخدم، في حين وصل مستخدمي "تويتر" إلى ما يقارب سبعة ملايين مستخدم، إلى جانب الوسائط الأخرى، مثل "واتس أب" و"إنستقرام"، وغيرها. واقترحت أن يكون الدواء من الداء، وذلك بانتهاج الرد الفوري على الإشاعة من جهة الاختصاص، مشيدة بنجاح "وزارة التجارة" في التعامل المباشر مع الإشاعات عبر نشر الأخبار الصحيحة والتفاعل مع كل ما يطرح ويتداول من شائعات عبر وسائل التواصل أو ما يطرحه بعض كتاب الصحف في أعمدتهم اليومية، داعية باقي الجهات الحكومية إلى اتباع أسلوب "وزارة التجارة" في مواجهة الرأي العام وكشف الحقائق، مبدية تفاؤلها بدور أكبر للجهات الحكومية في التعامل مع هذا النوع من الأخبار التي تفتقد غالباً للدقة والصدقية. وأضافت أن عددا من الجهات الحكومية بدأت في إنشاء حسابات لها على وسائل التواصل، موضحة أن بعض الوزراء بدأوا ينشئون صفحات شخصية لهم، إذ يتواجد ثلاثة وزراء حالياً على "تويتر"، كما يوجد هناك أيضاً حسابات لكثير من المتحدثين الرسميين عبر هذه الوسائل، مشيرة إلى أنه بالرغم من أن ما نسبته (82٪) من المستخدمين يصدقون الشائعات - حسب دراسة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني -، إلا أن المتوقع أن تنحصر النسبة إلى النصف خلال فترة قصيرة، نتيجة كثافة الدور الملموس لحسابات رسمية لعدد من الجهات، إلى جانب المشاركة الفاعلة لعدد من الأشخاص المؤثرين المتطوعين لتصحيح تلك الأخبار. ولفتت إلى أهمية الحرص على قياس نوع الشائعة وتحديدها بحسب درجات التعامل معها من قبل الحسابات الرسمية، سواء بتجاهلها لعدم أهميتها، أو تتبع مصدرها أو الرد بتصريح رسمي يحدده المسؤولين عن تلك الحسابات حسب خطة نشر المحتوى المتبع لدى كل جهة على حده، مشيرة إلى التأثير الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي على مستخدميها في التعامل مع الشائعات. معلومات مغلوطة وأشار مقدم "د. عاطي القرشي" - المتحدث الرسمي لشرطة منطقة مكةالمكرمة - إلى أن التطور التقني انعكس على نقل المعلومات ونشرها بسرعة فائقة تقدر في كثير من الأحيان بثوان معدودة، وذلك باستخدام أدوات الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى نقل معلومات غير صحيحة وربما مغلوطة، داعياً إلى أخذ المعلومة من مصدرها قبل نقلها، وذلك بالتثبت والتحقق والتبين، لافتاً إلى الدور الكبير لوسائل الإعلام في إيضاح المعلومات وإيصالها بالشكل الصحيح والتأكد من الجهات الرسمية، في ظل تخصيص ناطقين إعلاميين يعملون على إيضاح ما يتم الاستفسار عنه في أغلب الجهات. د. إبراهيم باداود خالد الخيبري أماني العجلان مقدم د. عاطي القرشي