أكثر الرجال إذا بلغ سن الستين تثقل حصاته، ويكبر عقله، وتحسن تصرفاته، ويتوب ويؤوب إلى ربه، إن كان لم يتب بعد، كما أنه يزيد في عبادته واستعداداته للرحيل الوشيك من هذه الدنيا فقد جاءته نذر الرحلة ونداء السفر في عدة رسائل كسقوط الأسنان وابيضاض الشعر وضعف المفاصل وسطوع الصلع. لكن!.. لكن بعض الرجال -وهم والحمد لله قلة- إذا بلغ الستين (انهبل) من جديد!.. عاد إلى المراهقة!.. تصابى وتغابى عن تقدم عمره.. فيحاول أن يأخذ زمنه.. وزمن غيره.. فيركب حمار الحماقة.. ويُنافس السفهاء في السفاهة.. وقد يبدر منه سلوك غريب لم يكن معتاداً.. وهذا ما يُسَمَّى: (المراهقة المتأخرة) وبالتالي ينطبق على هؤلاء الشياب القول الشعبي: (احفظوهم عند البلوغ والصلوع..)! والصيغة الأخيرة مشتقة من الصلع!.. كناية عن الشيخوخة!.. فإن بعض الشياب إذا سقطت أسنانه ولمعت صلعته وذهبت قوته وقربت منيته - والأعمار بيد الله - لا يتعظ ولا ينتهي، بل يواصل ما كان فيه من سفاهة.. إن كان سفيهاً من الله خلقة.. أو يصاب بخفة وسفاهة طارئة عبارة عن مراهقة متأخرة يمارس فيها تصرفات مخجلة ويرتدي ملابس غير لائقة ويكثر الأسفار بلا شغل ولا مشغلة ويتزوج ويطلق إذا كان ذا مال كثير، مع أنه في معركة الزواج كالجندي العجوز في معركة الحرب، ولكنه قد فُتِن بالدنيا وبالنساء حين أحسّ بسرعة القطار، وبأن شمسه على أطراف العسبان. والعرب يكرهون الفساد بشكل عام.. والإسلام يحرم الفساد.. ويجرم الأشيمط الفاسد أكثر من الشاب.. وقد ورد في الحديث الشريف أن (الأشيمط الزاني) لا يدخل الجنة. والعقلاء يكرهون التصابي في الرجال والنساء.. فإن العجوز المتصابية مضحكة.. ولكن الرجل المتصابي أشد سوءاً لأن عادة المرأة حب الجمال والشباب.. ويدعو الشعراء الرجل إذا كبر وشاب أن يبعد عن التصابي وتصرفات المراهقين!! قال أبو سعيد الرستمي: قبيحٌ بذي الشيب أن يطربا فما للمشيب وما للصَّبا؟! أمن بعد خمسين ضاعت سُدى وأودى بها اللهو أيدي سَبَا تشيم بروق الدمی دائماً وقد شامت العارض الأشيبا وأقبح بذي عارض أشيب إذا قابل العارض الأشنبا وأهلك والليل بادر به فقد كادت الشمس أن تغربا ومن مأثورنا الشعبي حول هذا الموضوع: (شايب عايب).. و.. (كل عام ترذلون) أي أن هذا المسن كل ما مر به عام زاد في السفاهة! ويقول حميدان الشويعر: فإن بالناس نجس وذا طاهر وآخر مثل طيب وذا عرعره وآخر قال أحبك وهو كاذب طهّر الهرج والقلب ما طهّره وآخر من صباخ الثرى منبته لو بذرت الندى في يديه أنكره شايب عايب ما يزكِّي الحلال لو يجي صايم العشر ما فطّره! لو تجي خالته تطلبه كفّ ملح مخطِرِ ضلعها بالعصا يكسره! ويقول أبو العلاء المعري: وكم شيوخ غدوا بيضاً مفارقهم يسبحون وباتوا في الخنا سبحا فلو تعقل الأرض ودت أنها صفرت منهم فلم ير فيها ناظرٌ شبحا فإن قدرت فلا تفعل سوی حَسَنٍ بين الأنام، وجانب كل ما قَبُحا