الشمس جراحي، والقمر أحزاني.. فإلى متى، يا الله، على أية أشعة أميلُ، يميل الكون قارعاً آلامي..؟ وإلى متى الأجراسُ الفلكيّةُ تردد: ويحَ شِعري تعتّقَ بنبضي، ويحَ اللغات، سكرتْ بشطحي، فلم يعُدْ يُرى من الوجود إلاّ شفقٌ، ولم يعُد يُرى من اللا وجود إلاّ غسقٌ.. بينهما، زرعتُ الموسيقى، فنبتتْ نجومٌ، وهطلتْ أنزفةٌ، ونسيتُني كوناً في القبر، فوشى الفضاء عن الزمان، تزلزلت الظلال، وإلى ناري، هرعت الشمس، هرع القمر، وهرعتُ إليَّ ناراً ماكثةً في ناري، لعلّ الأشعةَ تستعيد السديم، فلا يصغرُ العشب، ولا تشيخُ الاحتمالات، وتظلّ جمرتي آلاماً تشعّ بها الشمس، ولا تصبح أشعة القمر باردة، بل يغدو كلُّ ضوء بنفسجةً، وتصبح الأرضُ أغنيةً زرقاء.. وتماماً، في هذه التصيّرات، سيحدث أن أولد من الحجارة والرماد... من الجبال والبراكين والشجر... سيحدث أن أولد مطراً متبرعماً من ذاك البياض... ليست الملائكة، وحدها، في هذا الابتهال، وليست قصيدتي، وحدها، في المغارة.. ثمة رجْعٌ عظيمٌ، وعواصف راكعة، وأمواج تسجد... ما للزبرجد يرتجف؟ وما للرؤيا، تخلع أحلامَها؟ وكيف وصل السؤال إلى حواف الكون؟ ومنذ متى، أميل على أية أشعة، تميلُ الأكوانُ قارعةً ناري؟ يا.. أيتها الأنا الظليلة، لستِ ظلي، ولا..، شبحي، لستِ أنا، لكننا، نلتقي في الغامض من الجمر، في الواضح من اللحن.. نلتقي افتراقاً، فلا تترسّبُ منا ذرّة.. ولا تبقى منا ذرة.. وفي كهوف التفعيلة، في قِمم المعاني، أنسى ما كتبتُهُ، فيكتبني ما محوتُهُ، ولا تسري في الضوء إلاّ فراشاتٌ، طالعاتٌ من آلامي، طالعاتٌ الآن، بالأمس، وغداً.. ألا..، أيتها الدهور، لا تلتفتي إلى الوراء، أخشى عليكِ من بصيرتي.. كم، أخشى، على الشمس والقمر من أشعة آلامي.. أيتها الموسيقى، دعي النسوغَ مفتوحةً على إيقاعها الأخضر، واحملي ريشةً ستحطّ من نسرٍ كان هنا منذ الأزل، ولا ترتعشي إذا ما رأيت الفينيق، يقرعُ صدى الجبال، فتنبت النارُ في كل مكان، تنبتُ النارُ في كل زمان، ولن يكون هناك أيّ حريق، بل جراحي الملتهبة وهي تنقسم إلى شمس وقمر.. خذي، أيتها الأسفار أناشيدي، وأوقدي الموسيقى بشعلتي، لن يهطل الكون مرة أخرى.. ألم يشتعل بقصيدتي، مرةً، وإلى الأبد؟