دائمًا ما يحرص المؤلفون والكُتاب الذين اهتموا بمسألة تكوين الشاعر الناشئ على التنبيه لأهمية امتلاك الشخص للموهبة كشرط ضروري للاستفادة من تعليماتهم ونصائحهم، ونادراً ما تقابلنا كتابات يزعم أصحابها القدرة على صناعة شاعر مبدع دون موهبة وفي أيامٍ معدودة على غرار تلك التي تزعم تحويلك إلى ملياردير أو عبقري في خمسة أيام كحدٍ أقصى؛ وحتى تلك المؤلفات التي قد توحي عناوينها بالقدرة على مساعدة أي شخص في نظم الشعر يُسارع مؤلفوها لتأكيد استحالة تحقق مثل هذا الأمر، ففي كتاب مثل (كيف تنظم قصيدة) -على سبيل المثال- يُنبِّه المؤلف الأستاذ فلاح المنصور على أن هدفه من التأليف ليس "خلق" شاعر بقدر ما يهدف للتعريف ببحور الشعر الشعبي وتمكين الشاعر أو المتذوق من تمييز الأشعار المضطربة والمختلة عروضيًا من المستقيمة. من الكتابات الجميلة التي لفتت انتباهي فيما يتعلق بالعناية بالشعراء المبتدئين مقال للدكتور فواز اللعبون نشره تحت عنوان (الطريق إلى الشعر) التوجيهات الذهبية للكتابات الأدبية، وقدَّم فيه العديد من الإرشادات الرائعة التي تُساعد الشاعر المبتدئ على صقل موهبته والتميز عن آلاف الشعراء، من بينها أن يحرص الشاعر على التأكد من أصالة موهبته بعرض إنتاجه على شخص صاحب موهبة وتجربة ناضجة، وأن يقوم بعد ذلك بصقل الموهبة التي يمتلكها بحفظ النماذج الشعرية الجيدة مع إمكانية الاستعانة ببعض الإصدارات الصوتية التي تتضمن نصوصًا شعرية تُساعد على زيادة المخزون اللغوي، إضافة إلى الاطلاع على كتب الأدب والنقد والإلمام ببعض علوم اللغة. وينصح اللعبون الشاعر المبتدئ الراغب في التميز بتأمل النصوص الشعرية التي تثير إعجابه أولاً، ومن ثَم البحث عن مكامن الإبداع والتميز فيها، والموازنة بينها وبين نصوصه هو لكي يسهل عليه معرفة ما تفتقر إليه من عناصر وجماليات. من النقاط التي تسترعي الانتباه أيضًا في توجيهات الدكتور اللعبون العامة للشعراء المبتدئين أن بعض الشعراء الذين يعتقدون بأنهم قد بلغوا قمة الإبداع والشهرة يحتاجون الرجوع إليها وتأملها والاستفادة منها، لاسيما وأن طريقتهم في ممارسة كتابة الشعر والتعامل مع وسائل الإعلام ظلّت لسنوات طويلة طريقة بدائية لا تكاد تختلف عن طريقة الشعراء المبتدئين، من تلك التوجيهات على سبيل المثال: "لا تأسَ على نص تهم بتمزيقه، افعل فإن القرائح حبلى"، "لا تستعجل النشر، وإذا هممت به فضع في حسبانك أن ما ستنشره سيكون وثيقة أبدية في سجل إبداعك"، "لا يصرفك وميض الشهرة عن تطوير أدواتك"، "لا تنظر إلى مقدار إنتاجك، وعدد نصوصك، وليكن شاغلك الأول رضاك عنه". وأقول إن هذه التوجيهات الذهبية جديرة بالتأمل من شعراء مشهورين لأن بعضهم ظل لعقود من الزمن مستمرًا في النظم والنشر مع عجزه عن إبداع الجديد أو تجاوز قصائد جيدة نظمها في مرحلة التكوين والبدايات، وهو مع ذلك واهم بأنه يبدع الجديد، بل ومتفوق على معظم الشعراء. أخيرًا يقول مشعل الزعبي: هذا أنا وهذي هداياك حولي ما فارقتني يوم من يوم فرقاك ظّلت تشاركني عناي وذهولي ليتك تعلمت الوفا من هداياك