الرغبة في كتابة أو نظم الشعر رغبة مشروعة من الممكن أن تراود أي شخص في بداية اهتمامه بالشعر أو تعرُضه لمواقف يود التعبير عنها شعرًا، ويتضح حجم هذه الرغبة لا بكثرة أعداد الشعراء من حولنا فحسب، بل وبمعرفة أن معظم الأدباء العرب يتجهون في بداياتهم لتجربة نظم الشعر قبل أن يتجه كل فريق منهم لكتابة جنس من الأجناس الأدبية يرى بأنه أكثر مُناسبة للتعبير عن مشاعره واستيعابًا لأفكاره ورؤاه. لكن مرحلة التكوين هذه هي المرحلة الأكثر صعوبة ومشقة بما تحمله من معوقات عديدة لعل أولها مسألة عدم وجود طريقة دقيقة لاكتشاف الموهبة الشعرية التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده. ففي الماضي كان هناك اعتقاد بأن حفظ عدد مُعين من النماذج الشعرية الجيدة كفيل بإخراج مارد الشعر، وقد أشار التنوخي في (نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة) –على سبيل المثال- إلى ما يدل على ترسخ هذا الاعتقاد فقال: "كان أبي وشيوخنا بالشام يقولون: من حفظ للطائيين أربعين قصيدة، ولم يقل الشعر، فهو حمارٌ في مسلاخ إنسان". مع أن الواقع يؤكد أن شرط حفظ القصائد المميزة قد لا يكون شرطًا كافيًا لإخراج موهبة الشعر والكشف عنها، ولا يمكن الحكم القطعي على من طبَّق هذا الشرط ولم تخرج موهبته الشعرية بأنه حمار بشري معدوم المشاعر..! كذلك لا نجد مؤلفات يدَّعي مؤلفوها قدرتهم على جعل أي شخص شاعرًا خلال أيام معدودة، ولا توجد مدارس أو أكاديميات تزعم بأنها قادرة على تخريج شاعر مُبدع، وقد صرّح الباحث والناقد المعروف إبراهيم الخالدي، في حديثٍ له عن تجربة تدريس الشعر في أكاديمية الشعر وتجربته الشخصية في تدريس مادة القافية فيها، باستحالة تخريج شعراء قادرين على إبداع الشعر من أكاديميات أو مدارس مُتخصصة، وذكر أن ما يُمكن عمله هو "تقديم ثقافة الشعر وعناصره في مواد أكاديمية تقدم لراغبين في تعلُّم الشعر"، بحيث يتعلم الشخص تاريخ الشعر وخصائص أوزان هذا الشعر وعيوب القوافي التي يقع فيها الشعراء، وغيرها من العناصر والفنيات التي تدعم موهبة الشاعر. لكن الباحث سيجد الكثير من المؤلفات والكتابات الجميلة التي يُقدم أصحابها إرشادات وتوجيهات تُساعد الشاعر الناشئ ومن يمتلك موهبة الشعر على صقل موهبته ورفع مستوى إنتاجه الشعري، وسيكون للحديث عنها بقية إن شاء الله. أخيرًا يقول المبدع راشد النفيعي: دام القدر ساق لي فرقاك صدقني ما عاد للحلم وقفة والقدر قاضي قل شيء في ليلة فراقك يضايقني ما ودّي تغيب عن عيني وأنا راضي!