تتنازعني أفكار مختلفة في ماهية هذا العقل/ المخ؟! في طريقة التفكير في هذه الخلايا العصبية المتشابكة التي ندرسها ونحاول تفكيك شفرتها لمعرفة كيف نفكر؟ كيف نكتسب عاداتنا الفردية والاجتماعية؟ كيف نترجم مشاعرنا لكلمات وأفعال؟ كيف نستقبل الإشارات البيئية من حولنا من خلال حواسنا المختلفة؟ كيف يترجم المنظر الذي نراه أمامنا بألوانه وخطوطه الى صورة ثلاثية الأبعاد نعرف لها مسمى؟ كيف نفرق بين الأصوات المختلفة؟ كيف نشعر بالزمان والمكان؟ كيف تختلط بعض الامور على هذا العقل حين يصاب بمرض معين يؤثر في وظائفه؟ تطول الأسئلة ولا تنتهي لكنها كلها تصب في محاولة للتعرف على طريقة تفكير هذا العقل وطريقة تحليله للإشارة البصرية او السمعية على سبيل المثال، تتوالى الأسئلة التي يحاول العلماء البحث عن إجابة لها، منها أسئلة منطقية ومنها أسئلة مجنونة إن صح الوصف، فمثلا هل تملك خلايانا الجسدية ذاكرة؟ كيف نتعرف على الألوان، وكيف نربط أسماء الأشياء بأشكالها؟ لنتوقف أمام إحساسنا بالزمن، كثيرا ما أتساءل كيف يفرق عقلنا بين اللحظة الحاضرة وبين الماضي؟ كنت في زمن سابق اعتبره سؤالا سخيفا لا معنى له، لكن هناك بعض حالات الشيخوخة العقلية التي يفقد فيها الانسان البوصلة الزمنية لتختلط في ذهنه الاسماء والأماكن والأحداث ويختار العقل ان يستخرج احداثا مخزونة في الذاكرة ليستحضرها واقعا يتفاعل معها فكيف يحدث ذلك؟ ما الذي تغير داخل هذه الخلايا العقلية لتصبح بين مد وجزر، بين الماضي والحاضر؟ لنتوقف أيضاً امام تفاعلنا مع لوحة فنية او عمل ادبي لماذا يتفق الناس على الإعجاب بروائع الفن العالمية؟ هل يعني هذا ان تذوقنا للفن موحد ام اننا نتأثر بآراء الاخرين والنقاد الفنيين المعجبين بهذه الروائع الفنية وبالتالي نحن ضحية للايحاء العقلي؟ ترى كيف تتكون مفاهيمنا الفنية والثقافية هل هي مفاهيم متفردة ناتجة عن تجربة وتفكير ام انها مفاهيم مكتسبة ومستقاة من الاخرين او مزيج بين هذا وذاك؟ كيف نشعر باللوحة التي أمامنا؟ كيف تستقبل عقولنا العمل الفني، وكيف تتفاعل معه لتصنفه بأنه جميل او قبيح او صادم او مريح او مزعج او يثير الفرح والسعادة او سوداوي؟ قد نتفق جميعا على جمال عمل فني لكننا نختلف فيما يعنيه هذا العمل لنا او فيما نشعر به حين نتوقف لنتأمله او في تفسيرنا له، والسبب ان ما يختزنه عقلنا من تجارب ثقافية له دور كبير في تكوين رؤيتنا الشخصية للعمل الفني.