في الذكرى السادسة والستين لنكبة العرب الكبرى لم يتغير الكثير. فلسطين وأهلها في الداخل والشتات ينتقلون من مظلومية الى أخرى، وها هم أهلهم اليوم يعيشون تهجيرا جديدا من مخيم اليرموك السوري وغيره من المخيمات. وفي باقي المخيمات الوضع الانساني ليس بأفضل. لا بل ان عربا عراقيين وسوريين وليبيين وغيرهم انضموا الى قوافل التهجير وطوابير المساعدات الانسانية. الايجابية الوحيدة هذا العام ان ذكرى النكبة تأتي وسط أجواء مصالحة فلسطينية – فلسطينية حقيقية. يقوم اليوم على حساب مصالح فلسطين والعرب وأحرار آسيا وأفريقيا بل واوروبا واميركا الجنوبية تحالف اليهودية الصهيونية مع الغرب الاميركي الشمالي وحلفائه البريطانيين على حساب فلسطين العربية وشعوب افريقيا وآسيا المسماة في لغة الاستعمار الجديد دول العالم الثالث هذه المصالحة ارتدت سلبا على مسار محادثات التسوية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، اذ اعتبرتها تل ابيب مناسبة للتراجع عن التزامات تسوية تعهدت بها للراعي الأميركي. مشكلة الولاياتالمتحدة الاميركية مع العرب ناتجة عن كونها دولة امبريالية ذات اطماع نفطية أو غير نفطية في بلادنا على أهمية ذلك بل هي قبل كل شيء آخر الدول العالمية الاكثر والاكثف علاقة مع الصهيونية بل هي الدولة الاكثر ارتباطاً روحياً باسرائيل ولا توازيها في ذلك أي دولة غربية أو غير غربية كائنة من كانت. وإذا كانت الصهيونية هي استعمار متخصص بالعداء للأمة العربية فإن الولاياتالمتحدة هي المساندة لها في هذا الاختصاص. وفي الذكرى السادسة والستين للنكبة كان لا بد من التمسك بالمقياس لا الاستعماري فقط بل بدرجة التآخي مع إسرائيل. فالعرب يجب أن يدعو عالمياً الى رتبة خاصة في العدوانية تعطى لتلك المتماهية مع اسرائيل وهنا تأتي الولاياتالمتحدة في المقدمة. وعلينا نحن العرب أن نتمسك بهذا المقياس أي البعد أو القرب من اسرائيل والصهيونية فهذا هو العداء الاكبر للأمة العربية. وكلما مرّ الزمن تجذر أكثر فأكثر اعتقاد المؤرخين العرب بأن اقدم واهم مواجهة عرفها التاريخ قد تكون المواجهة التي قامت في فلسطين بين اليهودية والسيد المسيح عليه السلام، وكأنها هي هي التي تقوم اليوم بين الصهاينة اليهود والشعب الفلسطيني المقاوم. وفي الوقت الذي رأينا الصهاينة منجرفين الى تكريس أيار شهرا للنكبة نجد الفلسطينيين الأُباة وقد جعلوه شهراً للمقاومة. فالمشهد القائم الآن في فلسطين بدءاً بالقدس يكاد لا يشبه شيئا الا تباشير إطلالة السيد المسيح. وكل يوم يمر هو اقتراب من يوم ينقلب فيه السحر على الساحر. وما المشهد القائم في القدس بالذات الا بداية تعثر لعلاقة توهمت الصهيونية اليهودية وبقايا الاستعمار الأوروبي بإمكان حدوثها ودوامها لمصلحة الطرفين هذين. لقد كان السيد المسيح الثائر الاول والأكبر على اليهودية المتصهينة كما نراها اليوم. وقد اتضح أن أنوار القدس ابهى واصدق من ان تتآخى او ترعى او تتسامح مع حلف بين ظالمين لقضايا الشعوب الحرّة هما الصهيونية، وبقايا النزوع الاستعماري. لقد كان السيد المسيح الثائر الاول والاكبر على اليهودية المتصهينة وبالتالي المختلف بالشكل والمضمون عن كل ما ومن سبقه. وهو بقدر ما جاء فاصلا عما قبله اي عن تراث اليهودية، كان واصلا بما بعده اي الاسلام الذي امتدح قرآنه المسيحيين النصارى واصفا إياهم بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون. اللافت في النص التوراتي انه في الوقت الذي تدور فصوله على قصة الشعب اليهودي بصفته شعب الله المختار تحتل قصة شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الحجم نفسه وان منعوت بأنه عدو الشعب المختار من قبل رب السموات والارض. فالفلسطينيون كما هم موصوفون في التوراة هم اهل الارض الاصليون الذين كانوا موجودين فيها قبل ظهور اليهودية، وهمّ ظلوا دائما يتصرفون على اساس انهم أصحابها الشرعيون لا تنقصهم الشجاعة والثقة بالذات والحقوق والمرات القليلة التي ظهر اليهود فيها منتصرين إنما كانت بفعل المكائد والخديعة والاساليب غير المستقيمة. فصورة الفلسطينيين في النصوص الدينية اليهودية الموغلة في القدم هي انهم الى جانب كونهم الاقدم في السيادة وملكية الارض كانوا الاجرأ دائما والاكثر بسالة ولم يخسروا المعارك الا بقوة الخديعة والاساليب الملتوية والمتمثلة في شتى وسائل الاحتيال. كان الفلسطينيون مصنفين دائماً بأنهم أصحاب الحق الاصليين حسب النصوص التوراتية القديمة، الواثقون دائما انهم اصحاب الحق والارض، فضلا عن انهم لم يؤخذوا في الحروب الا بالخديعة والمكائد. هذا ما يقوله التاريخ القديم وبالنصوص العبرية وغير العبرية وفي الكتب الدينية وغير الدينية. اما الدعامة الكبرى التي تلقتها الصهيونية في العصور الحديثة فهي التي أتتهم نتيجة صعود الدولتين الانغلو - سكسونيتين بريطانيا العظمى ثمّ اميركا الى موقع خاص في سياسة العالم وهما الدولتان اللتان كانتا دائماً الاقرب الى التعاطف مع اليهودية السياسية والصهيونية على التحديد. الهجمة التي تقوم بها اليهودية المتصهينة في ايامنا هذه على القدس التي تتوسع حولها وفيها المستوطنات تحت أنظار الغرب المسيحي وبتشجيعه تجيء بشكل أو بآخر دليلا على ان الجانب الاستعماري من الغرب لا الجانب المسيحي هو المتقدم اليوم في الحسابات الدولية على ارض فلسطين وذلك في اطار تحالف مصلحي بين النزعة الاستعمارية الغربية، واليهودية المتصهينة على حساب قيم المسيحية نفسها المفترض ان تكون هي الآمرة الناهية في تصرفات الاميركي والاوروبي. إن تحالفا قويا بات في حكم القائم بين أسوأ ما في الغرب اي المؤسسة الاستعمارية، وأسوأ ما في الشرق اي اليهودية المتصهينة الطامعة في مصادرة فلسطين من اهلها الفلسطينيين. مرة جديدة يتأكّد القول الحكيم القائل انّه ما من رباط بين القلوب مثل العاهة المشتركة فأسوأ ما في الغرب اي نزعة الاستعمار الغربي لشعوب آسيا وأفريقيا هي الشقيقة التوأم لأسوأ ما انتجه الشرق وهو اليهودية المتصهينة. هكذا يقوم اليوم على حساب مصالح فلسطين والعرب وأحرار آسيا وأفريقيا بل واوروبا واميركا الجنوبية تحالف اليهودية الصهيونية مع الغرب الاميركي الشمالي وحلفائه البريطانيين على حساب فلسطين العربية وشعوب افريقيا وآسيا المسماة في لغة الاستعمار الجديد دول العالم الثالث. ان النزعة الاستعمارية في الغرب تتحالف مع اسوأ ما في الشرق اي المشروع الصهيوني على ارض فلسطين أما المستهدف فهم العرب من اهلها وإخوانهم في البلاد العربية وآسيا وأفريقيا. اما الفلسطينيون فهم ما زالوا كما وصفتهم توراة اليهود انفسهم شعب المقاومة الجبار الذي يدافع في وجه حملة الاستعمار والصهيونية عن شرفه الوطني والديني والثورتين المسيحية والاسلامية وامتدادهما حيثما هما قائمتان على مدى العالم الثالث والى حدّ كبير في معظم بلدان العالم. من هنا يقف مسلمو العالم ومسيحيوه الشرقيون حيثما كانوا ضدّ الصهيونية وأصدقائها من دول الغرب ذائدين عن الذات الوطنية الفلسطينية والعربية وعن حقوق شعوب العالم الثالث وتراثه بدءا بمسلميه ومسيحييه حراس فلسطين التاريخية المقاومين منذ ايام السيد المسيح والرسل والانبياء ضدّ المشروع اليهودي الصهيوني لابتلاع فلسطين التي كانت وما تزال وستبقى المواجهة لأبشع غزوة منافية لروح الاديان والاوطان تقودها الصهيونية ودول الاستعمار في وجه العالم ككل بدءاً بهذا الجزء العربي الاسلامي المسيحي من خريطة العالم. ستة وستون عاما مرت على النكبة ولاتزال فلسطين حية فمتى تصبح حرة ؟