بادئ ذي بدء لابد من القول: إنه من خلال العقود الثلاثة الماضية حظيت حركة التنمية في القطاعات الخدمية والصناعية باهتمام من قبل الدولة، من الناحية الكمية والكيفية. فمن خلال الخطط التنموية المرسومة، تم التأكيد على اهمية تفعيل القطاع الخاص وتطبيق مبدأ «الخصصة»، ناهيك عن التأكيد على مدى تأثير فكرة العولمة وتطبيقاتها على مجريات الأمور. وهذه من اهم الإستراتيجيات التي تركز عليها تلك الخطط، لما لها من خصائص مميزة في التكيف مع المتغيرات الاجتماعية كالزيادة المطردة في النمو السكاني وتواجد العمالة الوافدة بشكل غير طبيعي، والتقلبات الاقتصادية على المستوى الدولي، وكذلك الزيادات المطردة لتكاليف الأجهزة وصيانتها وتقنياتها المتجددة بشكل مستمر؛ ناهيك عن تزايد اهمية العولمة والتسارع في دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية، لما لها من اهمية في دعم النمو الاقتصادي العالمي من خلال البحث عن المزيد من الأسواق لمنتجات الدول الموقعة على الاتفاقية وتنظيم حركة التجارة وانسيابها بتبادل المنتجات والخدمات والعمالة المدربة وغيرها من الأمور التي تشجع على دفع عجلة التنمية في الاقتصاد الوطني والعالمي. ويُعد التأمين ضرورة اقتصادية من اجل الحفاظ على رؤوس الأموال وتفادي الآثار السلبية من الكوارث والأزمات المختلفة، التي قد تواجهه الشركات الاستثمارية. ولكن في الماضي القريب كانت هناك ظاهرة منتشرة في السعودية تكمن في ان الوعي بأهمية التأمين ضعيفة جداً وليس هناك ايمان بأن التأمين سيسهم في الحفاظ على رؤوس الأموال. ومع انتشار العولمة واتساع نطاق الاتصال بين الدول المختلفة ادى ذلك الى زيادة الاهتمام بالتأمين بوصفه ضرورة ملحة لتفادي الآثار السلبية للأزمات والمشكلات غير المتوقعة لأنشطة وممتلكات الشركات الاستثمارية، اضافة الى الزام بعض الدول الغربية بشروط توافر التأمين على البضائع والمنتجات المستوردة والمصدرة. ومن منطلق تشجيع الاستثمار في صناعة التأمين بالمملكة، فإنه من الضروري وضع خطة تسهم في تأهيل الشركات القائمة وضبط دخول الشركات الجديدة لسوق التأمين، بدلاً من اصدار تعاميم للشركات، التي تعمل بدون رخصة او اجازة من قبل الجهات المعنية. لذا، فإنني ارى انه من المجحف ان تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي بإصدار تعميم الى الشركات المحلية والشركات الأجنبية التي استثمرت رؤوس اموال كبيرة جداً لدرجة ان تكاليف التشغيل لبعضها تتجاوز المليون ريال شهرياً كرواتب موظفين وعمال وغيرهم من المتعاونين الى ايقاف بيع وثائق جديدة او تجديدها بعد تاريخ 17/11/1425ه . وهناك تساؤلات تبحث عن اجابات علمية وعملية قبل وأثناء وبعد عملية تطبيق نظام التأمين، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال: من يتحمل خسائر تلك الشركات؟ هل هناك شركات محلية مؤهلة لاستقبال الطلبات او بيع الوثائق ماعدا الشركة الوطنية التعاونية للتأمين؟ هل التعاونية للتأمين لديها القدرة الكافية لتغطية احتياجات المجتمع السعودي لأنواع التأمين المختلفة خلال فترة منع الشركات الأخرى؟ هل القصد من هذه القرارات تشجيع مفهوم الاحتكار على شركات معينة واستبعاد من لديهم الخبرة في مجال التأمين؟ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المهمة تحتاج الى دراسات علمية، وكذلك الى اوقات طويلة حتى يتسنى لمتخذي القرار دراسة الأبعاد الرئيسة للتأمين والتركيز على نقاط القوى ومحاولة تلافي نقاط الضعف وتقليل اثارها السلبية على شركات التأمين المحلية وغيرها من الشركات المرخصة لها. وأعتقد انه كان من الأفضل التريث في اتخاذ قرارات تؤدي الى احباط الاستثمار في مجال التأمين واختصار هذا المجال على ذوي رؤوس الأموال الكبيرة بغض النظر عن تخصصهم في مجال التأمين. ٭ استاذ الإدارة -جامعة الملك سعود