تُعد إجابة الدعوة للمناسبات الاجتماعية، سواء كانت مناسبة زواج أو مناسبة اجتماعية واجباً دينياً وموروثاً اجتماعياً توارثته الأجيال في المملكة منذ زمن طويل، ونتيجة لكثير من التغيرات الاجتماعية التي فرضها واقع العصر والتطور الكبير في شتى مناحي الحياة فقد تغيرت طريقة إقامة هذه المناسبة ولو بشكل جزئي عن الماضي القريب، كما تغيَّرت رغبة المدعوين ومستوى إجابتهم لهذه الدعوات تبعاً لهذه المتغيرات. وهناك من يحضر هذه المناسبات لتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء، إذ يتجمعون في مكان ما من القاعة أو المجلس إلى أن يتم تناول الوليمة، ومن ثمَّ الانصراف، مضيفاً أنَّ من لا يجد أصحابه في مكان المناسبة، فيما يحضر البعض ويسلمون العريس الإعانة أو الهدية - إن وجدت - ثم يستأذنون للمغادرة، وعادةً ما يكون ذلك من الشباب، ومن بقي منهم أخرج جواله من جيبه ليقرأ رسائل ال "واتس أب" أو ليتصفّح شبكات التواصل الاجتماعي من دون إعطاء أهمية بمن حوله. سنة نبوية وأكد "سعد الشهري" - موظف - على أنَّ إجابة الدعوة للمناسبة الاجتماعية عادةً عربيةً أصيلة، وقبل ذلك سنة نبوية كريمة، موضحاً أنَّه يجب الحرص بقدر المستطاع على حضورها بحيث لا يتخلف الفرد عن الحضور إلاَّ لظرف صعب، مشيراً إلى أنَّ ذلك هو ما يُسعد صاحب المناسبة، سواء كانت وليمة زواج أو مناسبة عامة لمولود أو ضيف مهم لديه، إلى جانب إشعاره بالفخر والاعتزاز أمام ضيوفه. وعن أجواء هذه المناسبات، بين "الشهري" أنَّ كثيراً من هذه المناسبات لم يعد جاذباً للحضور - مع الأسف - مشيراً إلى أنَّ ذلك هو ما يُفسر اعتذار عدد من أفراد المجتمع عن حضورها في كثير من الأحيان بسبب أو من دون سبب، داعياً إلى دراسة أجواء مثل هذه المناسبات لكونها لم تعد جاذبة للتواجد والبقاء فيها حتى يتم تناول الوليمة، ومن ثمَّ الانصراف بعد ذلك، موضحاً أنَّ حضور هذه المناسبات أصبح في الوقت الحاضر مجرد شكليات فقط. وأشار إلى أنَّ هناك من يحضر هذه المناسبات لتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء، إذ يتجمعون في مكان ما من القاعة أو المجلس إلى أن يتم تناول الوليمة، ومن ثمَّ الانصراف، مضيفاً أنَّ من لا يجد أصحابه في مكان المناسبة، فإنَّه يقضي وقته صامتاً متململاً حتى يأتي وقت تحضير الوليمة، حيث لا حديث يجمعه مع من حوله ولا نشاط في الغالب يلفت نظرهم، لذا نجد الجميع يترقَّب الفرصة للمغادرة بعد أن يتناول طعام العشاء، وربما اعتذر من العريس أو صاحب الوليمة قبل الأكل بحجج صحيحة أو غير صحيحة، للهرب من هذا الملل. موروث اجتماعي وبيَّنت "أم عبدالله" - ربة بيت - أنَّها من الذين يحضرون مناسبات الزواج إجابة للدعوة فقط، مضيفةً أنَّها تُسلِّم على العروس وأهلها وتُسلّمهم الهدية قبل أن تستأذن وتعود إلى بيتها، مبرّرةً عدم بقاءها إلى نهاية الحفل بعدم رغبتها في الصخب الكبير الذي يحدث في كثير من الأعراس، مشيرةً إلى عدم وجود ما يُشجِّع على البقاء، إلى جانب وجود بعض الأمور التي تتعارض مع المعتقدات والموروث الاجتماعي في كثير من هذه المناسبات. حفلات شعبية وأوضح "محمد العمير " - معلم - أنَّ كثيراً من المناسبات الاجتماعية في هذا الزمن لم يعد كما كانت في السابق من حيث جمالها وسعادة الحاضرين لها، مضيفاً أنَّ المناسبات الاجتماعية قديماً تتميز بالبهجة والسعادة الحقيقية، خصوصاً في الأعراس حيث الحفلات الشعبية المتنوعة التي تستمر إلى وقت طويل، مشيراً إلى أنَّ جميع الحضور كانوا يتابعونها بكل شغف وسعادة، أما ما يحدث في مناسبات الوقت الحالي، فإنَّ كثير من المدعوين، لا سيّما من فئة الشباب يحضرون ويسلمون العريس الإعانة أو الهدية ثم يستأذنون في المغادرة. وأضاف أنَّه لم يعد يوجد في هذه المناسبات حالياً ما يُشجع على البقاء فيها إلى وقت أطول من المعتاد، موضحاً أنَّ بعض المدعوين، لا سيّما من فئة الشباب يتجمعون في مجموعات وكل شاب منهم يُخرج "جواله" من "جيبه" ليقرأ رسائل ال "واتس أب" أو لتصفّح شبكات التواصل الاجتماعي، من دون إعطاء أهمية لمن حوله بمن فيهم العريس الذي يعتبر محور المناسبة. وليمة الزواج ولفتت "تحسين محمد" - معلمة - إلى أنَّ وليمة الزواج من سنن الوحي، موضحة أنَّ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أوصى الصحابي الجليل "عبدالرحمن بن عوف" بها، في قوله: "أولم ولو بشاة"، مشيرةً إلى أنَّ إجابة الدعوة بالنسبة للرجال لا يجوز رفضها إلاَّ بعذر مقبول؛ وذلك امتثالاً للأمر الشرعي وفق ما جاء في الحديث".. وإذا دعاك فأجبه"، لافتةً إلى أنَّه ينبغي للرجل عند وصوله إلى مقر الوليمة أن ينتظر حتى يأكل من طعام الوليمة، سواء كانت في البيت أو في صالة الأفراح احتساباً للأجر واتباعاً للسنة وطاعة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم. وأضافت أنَّ من فضل "الله" - عزَّ وجل - أنَّ عددا من الرجال لا يزالون على النهج السليم في هذا الجانب، خصوصاً القاطنين في القرى والمحافظات الصغيرة، مبيّنةً أنَّه يُقدم لهم العشاء بعد الانتهاء من صلاة العشاء، كما أن موعد تقديمه قد يتأخر قليلاً؛ لضمان تجمع المدعوين وتحسباً لتأخر بعضهم الناتج عن بعد المسافات، وأضافت قائلةً: "أما بالنسبة للنساء فحدِّث ولا حرج، إذ إنَّه يتم تقديم وجبة العشاء في وقت تناول وجبة السحور أو قريباً منه". قبول الأعذار ويرى "نواف العمري" - باحث اجتماعي - أنَّ إجابة الدعوة واجبة، مشيراً إلى أنَّه في الوقت الحاضر الذي شهد زيادة مطردة في عدد السكان وما نتج عن ذلك من اشتداد الزحام، خصوصاً في المدن الكبيرة، مثل مدينة "الرياض"، فإنَّه من المفترض أن يقبل صاحب الزواج أو الوليمة أعذار من يستأذن من الضيوف، كما أن عليه أن يقبل التهنئة حتى لو كانت عبر اتصال هاتفي؛ نظراً للمشقة التي قد يجدها الضيف في الحضور وقضاء وقتٍ طويل في الطريق ذهاباً وعودة من بيته إلى مكان المناسبة. وأضاف أنَّه ينتج عن ذلك ضياع كبير للوقت، إلى جانب التعب والإرهاق الذي يجده الضيف في الشوارع، مقترحاً أن يترك أمر الحضور من عدمه للمدعوين حسب ظروفهم الخاصة من حيث بعد المسافة عن مكان الفرح أو المناسبة، مشيراً إلى أنَّ المدعو حينما يكون مكانه قريباً بحيث لا يأتي من أحياء بعيدة ولم يستغرق وقتاً طويلاً في الحضور، فإنَّ من الواجب البقاء حتى تناول الوليمة ثمَّ المغادرة بعد ذلك. وأشار إلى أنَّه في ما يتعلَّق بمناسبات الأعراس في المدن الصغيرة والقرى والهجر فمن الأفضل البقاء حتى تناول طعام العشاء عند صاحب الدعوة، خصوصاً أن طعام العشاء يُقدَّم باكراً عقب صلاة العشاء في العادة من دون أن ينتج عن ذلك أيّ تأخير، كما أنَّ كثيراً من مناسبات الزواج هناك لا يزال أهلها يحافظون على أن تتضمن إقامة الحفلات الشعبية الجميلة. موسيقى صاخبة وأوضح "علي فايز" - موظف - أنَّ مناسبات الزواج في قريته ميسرة وشيقة، وليس هناك ما يمنعه من الحضور والبقاء حتى تناول طعام العشاء، مضيفاً أنَّه يجد مُتسعاً من الوقت بعد حضور الزواج للسهر مع زملائه فترة طويلة؛ لأنَّه يتم تقديم وجبة العشاء بعد الانتهاء من أداء صلاة العشاء بقليل، لافتاً إلى أنَّه يضطر في كثير من الأحيان حينما تكون المناسبة في مدينة كبيرة، مثل الرياض إلى السلام على العريس وتهنئته بالزواج وتقديم إعانة أو هدية له، ومن ثمَّ الاستئذان للانصراف، خصوصاً حينما تكون المناسبة في وسط الأسبوع. وأضاف أنَّ الأمر يبدو أكثر صعوبة بالنسبة إليه حينما تُقام المناسبة في آخر الأسبوع الذي يشهد عادةً زحمة كبيرة في الشوارع، لافتاً إلى أنَّ هناك من قد يعتذر عن الحضور بسبب وجود بعض الأمور التي قد تتعارض مع الموروث الاجتماعي أو الديني، ومن ذلك وجود الموسيقى الصاخبة. أسباب وجيهة وأوضح "عبدالله غرمان" - موظف - أنَّ الأصل في إجابة الدعوة هو اتباع السنة النبوية المطهرة وتطييب خاطر الداعي وتقدير له، بيد أنَّه نتيجة لوجود بعض المتغيّرات التي طرأت على عدد من مناحي الحياة اليومية وتطورها، فإنَّ هناك كثيراً من الأسباب الوجيهة التي قد لا تُمكِّن المدعو من الحضور للمناسبات الاجتماعية، ومن بينها مناسبات الزواج، مبيناً أنَّه ينبغي على الداعي تقديرها، ومن ذلك ارتباط الناس بأعمالهم ومصالحهم التجارية، أو وجود أعمال خاصة لديهم تستلزم منهم البقاء، أو وجود مريض يعملون على خدمته. وأضاف أنَّ من بين تلك الأسباب بعد المسافة عن مقر الزواج وزحام الشوارع والأجواء غير المناسبة أحياناً وما فيها من غبار أو أمطار، وغير ذلك، مؤكداً أنَّ من يعتذر بلا سبب وجيه شخص مخطئ في حق صاحب الدعوة، مشيراً إلى أنَّه من الواجب أن يتم مشاركة العريس - مثلاً - في ليلة فرحه وإشعاره باهتمام المحيطين به.