هنالك بلدان تحارب الجوع والفقر، وأخرى تحارب البطالة والمخدارت لحماية شعوبها. في اليابان قرر المسؤولون إعلان الحرب على الحوادث المرورية عبر برنامج أبحاث متقدم يتمثل في تطوير سيارات ذكية بدون سائق بهدف الوصول إلى عالم آمن لا تزهق فيه الأرواح بسبب سائق متهور أو شاحنة قاتلة. في عام 1996م بدأ مشروع أنظمة النقل الذكية في اليابان وانقسمت الفرق البحثية إلى مجالات متعددة مثل أنظمة الملاحة، نظام الدفع الآلي والسلامة المرورية وتم ضخ مبالغ ضخمة لتنفيذ المشروع. وفي فبراير 2013م طبقت تجربة على أرض الميدان لثلاث شاحنات بدون سائق حمولة كل منها 25 طناً. ترى كيف كانت النتيجة؟ نجحت التجربة واستطاعت الأنظمة الذكية في الشاحنات الثلاث أن تتواصل وحافظت على المسافات فيما بينها من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول ضمن السرعة والزمن المحدد لإنجاز مهمة النقل لتعطي أملا كبيرا في الوصول إلى عالم بلا حوادث مرورية. في الواقع وبحسب ما ورد في الدورية التقنية لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في 25 أكتوبر 2013م فقد عدلت كل من ولايات كاليفورنيا ونيفادا وفلوريدا في أمريكا قوانينها لتسمح باختبارات السيارات ذاتية القيادة بدون سائق. وقدم كريس أورمسون، قائد مشروع السيارات ذاتية التحكم بدون سائق بشركة جوجل في مؤتمر الروبوتات في كاليفورنيا الخريف الماضي، دراستين قائمتين على بيانات لمئات الآلاف من الأميال لسيارات بدون سائق بتقنيات جوجل. وأظهرت النتائج أن السيارات بدون سائق كانت أكثر أمانا وسلاسة وأفضل بكثير في الحفاظ على مسافة آمنة مقارنة بسيارات يقودها سائقون محترفون في نفس المسافات والطرق. ويقدر الخبراء في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) أنه بحلول عام 2040م ستكون 75٪ من جميع المركبات سيارات ذاتية التحكم بدون سائق. هنا قد يتساءل البعض: أما من سبيل لمنع الحوادث سوى أتمتة السائقين وإلغاء السائق البشري؟ لتكتمل الصورة أكثر فالأبحاث القائمة في هذا المجال لا تقتصر على السيارات بدون سائق بل تتعداها لتكون السيارات وحدات ذكية قادرة على تنبيه السائق البشري حول المخاطر المفاجئة. فعلى سبيل المثال يتم تطوير هذه المركبات الذكية لتتمكن من إدراك حدود الطريق والتدخل لعدم خروج السائق عنها وتعديل مسار القيادة إذا استلزم الأمر. كما تستطيع هذه المركبات الذكية والمرتبطة بشبكات لا سلكية على المستوى الوطني إيصال المعلومة للسائقين بالكاميرات حول الأماكن التي لا تصل إليها العين مثل ما بعد المنعطفات وخارج الأنفاق. ولذلك تم تركيب 1600 كاميرا في أنحاء اليابان لربطها بهذه المركبات وتنبيه السائقين عبر أنظمة الملاحة الذكية. وللاطلاع على حجم مشكلة الحوادث فنستأنس هنا بإحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2011م حول عدد الوفيات بسبب حوادث السيارات لكل 100 ألف نسمة حيث احتلت ناميبيا المرتبة الأولى بمعدل (53.4) وجاء العراق رابعا بمعدل (44.4) وإيران خامسا بمعدل (43.8). أما وطننا الغالي المملكة العربية السعودية فجاء في المرتبة 53 بمعدل (23.2). وفيما يتعلق باليابان فاحتلت المرتبة 189 بمعدل وفيات لم يتجاوز (3.8) فقط. ورغم أن المعدل لدينا أقل من غيرنا فلا يجب أن تتوقف الجهود حتى نصل يوما ما إلى معدل (صفر) للوفيات بسبب الحوادث. وأخيرا، إذا كانت أرواح جميع من فقدناهم في الحوادث المرورية تعني لنا الكثير فحري بنا أن نكون أحرص الأمم على نجاح أبحاث السيارات بدون سائق والاستثمار فيها وتوطينها وتطبيقها..واختم بمقولة م.هاجيمي أمانو القيادي بمؤسسة أنظمة النقل الذكية اليابانية: "إننا نسعى في عام 2020م لأن تكون اليابان بلداً بلا ازدحامات ولا حوادث مرورية!".