في الشهر المنصرم أعلنت ولاية نيويورك أنها أوقفت برنامجاً خاصاً بالتجسس على الجالية الإسلامية في الولاية ظل عاملاً منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. لم يكن وجود هذا البرنامج (أو الجهاز الأمني) خافياً على المسلمين هناك ولكن حكومة نيويورك ظلت دائماً في حالة إنكار لوجوده وبالتالي تعذر إلغاؤه أو مقاضاته بتهمة خرق الحرية المدنية لمواطنين يحملون الجنسية الأمريكية... لم يكن الجو العام يوحي بعكس ذلك كون اللحية والنقاب أصبحا بعد تفجيرات سبتمبر مصدراً للشبهة في المطارات ومراكز الشرطة وأروقة المحاكم... وكانت شرطة نيويورك هي الأكثر خرقاً لقانون الحريات المدنية في السنوات الأولى خصوصاً تحت حجج فضفاضة (مثل الاشتباه بالتواصل مع منظمة إرهابية) أو اعتماداً على أدلة سرية (يمنع الإفصاح عنها).. خذ كمثال ماحدث لناصر أحمد عفاير آخر من قبض عليه بتهمة التعاون مع (منظمة إرهابية غير معروفة) ووجود (أدلة سرية) ضده.. وبعد احتجازه لخمس سنوات بدون محاكمة أو تهمة رسمية ربما باستثناء مظهره الملتحي أُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة المزعومة!! فرغم عدالة النظام الأمريكي مقارنة بدول العالم الثالث إلا أنه سقط بطريقة مخجلة بسبب قانون يسمح باحتجاز (الأجانب) بحجة وجود دليل سري.. ولأنه "دليل سري" لا يستطيع المتهم أو محاميه الاطلاع عليه ويحق للمباحث تقديمه في الوقت الذي تراه مناسبا!! ورغم ادعاء وزارة العدل أن "الدليل السري" ليس موجهاً ضد عرق أو جماعة معينة إلا أن الوقائع تشير إلى أنه وضع خصيصاً لملاحقة الجماعات الإسلامية والحد من نشاطاتها. ف90% من ضحايا الدليل السري هم من العرب وثلاثة أرباعهم من الملتحين. وهو كإجراء مرفوض حتى من نقابات المحامين وجمعيات حقوق الإنسان هناك. فالمحامي مثلاً لا يستطيع نقض دليل لا يحق له الاطلاع عليه، وجمعيات حقوق الإنسان تقارنه بما يجري في الأنظمة التعسفية فضلاً عن مخالفته للدستور الأمريكي (الذي ينص على حق المتهم في معرفة التهمة الموجهة إليه وعدم احتجازه بدون إدانة واضحة)!! وقد لا يكون غريباً وجود إجراء كهذا في الأنظمة العربية الديكتاتورية؛ ولكن في أمريكا يعد الأمر أكثر من غريب؛ كون النظام العدلي هناك يشدد على حقوق المواطنين وقد ينسف القضية بأكملها لمجرد عدم تذكير المجرم بحقوقه أثناء القبض عليه.. فحين يضطر القاضي للاختيار بين (حقوق وحرية المواطن) وبين (إدانته واثبات التهمة عليه) يختار الأول بدون تردد.. يختار إلغاء القضية بأكملها (حتى في حال قناعته بجرم المتهم) في حال لاحظ وجود خطأ في إجراءات الشرطة أو اعتداء على حرية المواطن الشخصية (مثل التنصت على هاتفه أو تفتيش منزله دون إذن).. وفي المقابل لم يجرؤ أحد على مناقشة أو إلغاء إجراءات الشرطة التعسفية ضد 324 مواطناً أمريكاً مسلماً تم الاعتداء على حرياتهم (بحجة وجود دليل سري) منذ تفجيرات 2001 وحتى نهاية 2013!! ... لهذا السبب يعتبر إلغاء برنامج التجسس في نيويورك وما يتبعه من أدلة سرية نصراً كبيراً ليس فقط للجالية المسلمة فيها، بل ولسمعة العدالة الأمريكية نفسها..