أجدني في هذ المقال أعيد الكتابة في موضوع سابق يتعلق بمصداقية الكاتب وتحمله المسؤولية، ربما لأني أقرأ من وقت لآخر كتابات اتخذ كتابها قرارا بأن يكتبوا بطريقة تتوافق مع ماتريده فئة من القراء، وتتقارب من رؤيتها، وقد يكون السبب أنهم يرون الحياة والأحداث بتلك الرؤية فعلا، ويفكرون بالأسلوب نفسه، أو أنهم يسعون لكسب المزيد من الشعبية والرواج لأسباب مادية أو شخصية، وقد يكون السبب تفادي ردات الفعل وأحكام الآخرين. عندما يعبر الكاتب عن فكرة اختار أن يكتب فيها لأنها تعبر عن رؤيته بغض النظر عن منطقيتها ومنطلقها فهو على الأقل يعبر عن صدق في موقفه، ولكن عندما يختار أن يكيف أفكاره ومشاعره حسب الطلب والمصلحة فهذا ليس اختيارا أخلاقيا، ومن يقدر نفسه ويحترم قراءه لا يفعل ذلك! من ناحية أخرى فإن بعض الكتاب يقع في تناقض ويصبح ممن ينطبق عليهم"لا تنه عن خلق وتأتي مثله" فهو ينتقد أشخاصا يصادرون الرأي ويمارسون الإقصاء، وفي الوقت نفسه يضعهم في معسكر آخر ويشن عليهم الحرب، ويسلك ذات المسلك الذي هاجمه، وهذا يتعارض مع الصدق. وهنا يمكن أن تطرح عدة أسئلة: أي نوع من الكتاب نحتاج لفهم الحياة أكثر؟ إذا كان منا من يدرك الأشياء بطريقة سطحية فماذا سيقدم لنا بعض الكتاب السطحيين والمجاملين والمتناقضين ؟ كيف ستصبح مهمة الكتابة إذا كان الهدف منها إرضاء الناس ونيل الحظوة على حساب الحقيقة؟ وهل القارئ بطبيعته يحب متابعة من يوافقه ويسايره أو من يساعده على اكتشاف الحياة حتى لو عبر عن حقائق وتساؤلات مؤلمة أو صادمة؟ هل الكاتب ملقن أم محرض على التفكير؟ يقال إن" الكتابة أصعب شيء على الإطلاق" وهناك من يؤمن بأن"دور الكاتب ليس أن يقول ما نستطيع أن نقوله، ولكن ما نحن غير قادرين على قوله"، وآخر يرى الكتابة عملية إلهام وتحفيز على التفكير"بوضع الفكر في حالة حركة" وليس مجرد تسويق له. وإذا كان لايجدر بالكاتب مسايرة الناس ودغدغة عواطفهم والنفخ في جمرهم، فإنه من غير المقبول أيضا إيذاء مشاعرهم وتجاهل احتياجاتهم، أو فرض آرائه وقناعاته عليهم دون إعطائهم فرصة للتفكير بطرح الأسئلة التي تدفعهم للتأمل والبحث عن الإجابات. بمعنى آخر قد يكون من المفيد ألا يسوق الكاتب أفكاره وآراءه خصوصا في الموضوعات والقضايا القابلة للنقاش والاختلاف بطريقة توحي أنها قناعات نهائية لا عودة عنها، ولامجال فيها للتفكير والاجتهاد مستغلا فكرة ميل واستكانة الكثير من الناس إلى الآراء والأفكار والتفسيرات الجاهزة باعتبارها أسهل، واستعدادهم لقبولها بلا مراجعة ولا بحث،ل أن الكاتب بذلك يحرم نفسه والقارئ من فرصة التجدد والنمو الفكري والثقافي.