توفي الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز مؤخرا ليذكر العالم بروايته الأشهر "الحب في زمن الكوليرا". "ماركيز" الذي اشغل الرومانسيين والحالمين بروايته عن الحب المستحيل بين الصبي "فلورينتينو" الذي حرم من فتاة أحلامه "فيرمينا " وكيف ظل يطاردها حتى بلغت السبعين من عمرها. مات "ماركيز" ونحن نعيش زمن " الكورونا" لا زمن الكوليرا الذي اخترعه "ماركيز " "كذبة" على لسان بطل روايته ليخيف المسافرين على السفينة حتى يخلو بحبيبته ليقع العجوز العاشق ومن معه في نظام الحجر الصحي خوف انتشار الوباء المزعوم. إن فيروس "الكورونا" حقيقة علميّة مثل كل فيروس ومرض وله آثار منها الوفاة كمعظم الفيروسات الفتّاكة. ولكن القضيّة تكشف عن مستوى المسؤوليّة الأخلاقيّة والمهنيّة التي تتمتع بها بعض المؤسسات الإعلاميّة والأقلام التي انجرفت مع موجة الهلع والتشويش بما يدعو للدهشة ويثير الناس. وتأسف أن ترى في أوجاع الناس تجار المآسي ومعهم انتهازيون ومساكين يصطخبون حتى تتوه الحقيقة. رأينا إحداهن تصرّح على قناة رسميّة معلنة قدرتها على عزل الفيروس في أسبوع ولكن شرطها (الكبير) الذي كرّرته أكثر من مرّة هو أن يتم تكليفها بقرار من (كبار) المسؤولين. والعجيب أن الجامعة التي تعمل بها هذه "الباحثة" تقول إن أبحاثها منذ سنوات تتركز حول" حليب الإبل وأبوالها كدواء لمعالجة السرطان، وبعض الأمراض" وتحاول – أي الباحثة بحسب الجامعة - الاستمرار في "البيع والترويج " لمنتجاتها "دون اتباع الخطوات العلميّة والضوابط القانونيّة والأخلاقيّة" يعني باختصار المسألة قانون وأخلاق وقفز حواجز. وفي زاوية آخرى وعبر وسيلة إعلاميّة ثانية يظهر شخص آخر مندفعا في أوج الأزمة زاعما أن لديه العلاج الناجع لكورونا ولكن هذه المرّة ليس من حليب ولا بول "الإبل" بل من إنزيمات "الثعابين!!" السامّة معترفا في ذات الوقت بأنه "يملك مصلاً غير مسجّل رسمياً". والأعجب أن صاحب هذا الاكتشاف الخطير الذي عالج منذ سنوات كما يقول "أمراض الإيدز والروماتيزم والحساسيّة الشديدة" لم يستطع تدبير مبلغ تسجيل اللقاح في هيئة الغذاء والدواء الأمريكيّة مع أن شركة أمريكيّة عرضت– بحسب قوله -مبلغ 480 مليون دولار لشراء التركيبة الدوائيّة! ثم يأتي "تخبيص" سياحي تجاري آخر يدّعي أن مدينة خليجيّة تمكنت من تطبيق تقنية حديثة «تقضي على الفيروسات بما فيها فيروس كورونا خلال 30 ثانية وتمنع العدوى داخل السيارات بين المرضى والمسعفين». وحين تتبع أصول الخبر تجد وراءه شركة تتربّص على ضفاف الهلع لتسوق طريقة تعقيم تمارس مثلها وزارة الصحة في مستوصف "تنومة" منذ سنوات. إنّه ذات السيناريو وهي ذات المعادلة: إعلام غير مسؤول يدير موجة إثارة فهلع وتشويش ثم الضخ بمنتجات الغرب والشرق من معدات التعقيم والأدوية الجديدة في أسواق تجيد صناعة الصخب بالدولار. هي نفس المشاهد وإن تغيّر الممثلون رأيناها مع زوبعة إنفلونزا الطيور وغبار إنفلونزا الخنازير وجنون البشر مع جنون البقر. حسنا .. ترجّل الوزير "الربيعة" فهل ستنتهي القصة ويختفي "كورونا" اليوم والفيروسات غداً؟ السؤال الأهم من يستطيع أن يكافح "كورونا" الأقلام والبرامج والتحقيقات التي يقول عنها الأطباء المتخصصون إن المثير منها نصفه كذب، ونصفه الثاني محض ادعاءات.. * مسارات.. قال ومضى: وحده صاحب المبدأ يقطع المسافة الطويلة بين (لا)، و(نعم) في ومضة (ضمير).