سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله السلام عليكم ورحمة وبركاته كتب الدكتور عبد العزيز السماري مقالاً بعنوان حليب «خلفات» بنكهة فيروس الكورونا، في 12-05-1435، العدد 15141، وذكر فيه: «جاءت أخبار الأبحاث العلمية خلال الشهرين الماضيين في اتجاه معاكس لما تم ترويجه أن الإبل حيوان له منزلته الصحية الخاصة في الثقافة الإسلامية، فقد أثبتت الدراسات العلمية الموثقة أن أغلب الجِمال العربية في الجزيرة العربية مصابة بفيروس الكورونا المسبب للالتهاب الرئوي الحاد»؟! وأني لأتعجب من الكاتب - وفقه الله - لماذا حينما تحدث عن هذا الاكتشاف ربطه مباشرة بالمنزلة الصحية الخاصة للإبل في الثقافة الإسلامية؟! فهذا جهل مركب من الكاتب، وجرأة عظيمة على النصوص النبوية، وهذا خطير على دين المرء، وكلام العلماء في هذا الجانب واضح. فالسنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، فقد كان الوحي ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ومصداق ذلك قول الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3-4) سورة النجم. وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديثه وحكمه، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رده ولم يقبل به أنه ليس من الإيمان في شيء، فقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء. ولعل الأخ ربما جهل درجة الحديث، أو كان يظن ضعفه، أو التبس عليه الأمر.. وعلى كلٍّ، فإنه جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: (قدم رهط من عرينة وعكل على النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال «لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها» ففعلوا، فلما صحوا عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم..). والحديث واضح معناه جدًّا! فهل يتصور أحدٌ أنه لو كان حليب الإبل فيه ما يدعيه السماري أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر رجالاً بشرب أبوال الإبل وألبانها بغرض التداوي والشفاء..؟! وهل نصدق من لا ينطق عن الهوى، أم نصدق الذين لهم مواقف معروفة من مثل هذا الحديث النبوي الذي يأمر بشرب بول الجِمال؛ إذ إن حليب الإبل في نظرهم لا يعدو كلاماً يعارض العلم الحديث؟! ونحن نقول، ومن باب الإيمان المطلق بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم، إنه لا شك أن لحليب الإبل فائدة كبيرة للصحة والجسم، ولكن هذه الفوائد الموسومة هي للإبل التي ترعى من نباتات الأرض، أما الإبل التي تُعلف ففائدة حليبها قليلة جدًّا. أما عن التداوي بالأبوال فذاك للإبل التي ترعى من أعشاب الأرض الطبيعية، وقد جاء في العرف الشذي للكشميري (1/ 108): «وفي قانون ابن سينا أن لبن الإبل يفيد الاستسقاء، وفي كلام بعض الأطباء أن رائحة بول الإبل تفيد لمرض الاستسقاء». وأشار كثير من أهل العلم، منهم ابن حج في فتح الباري وابن القيم كما في زاد المعاد، إلى أن أبوال الإبل وألبانها تعتبر شفاء لأمراض الاستسقاء، وأنها إذا كانت ترعى يكون لبنها وبولها قويَّيْن في التأثير؛ ولذلك قالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بشرب البول لقوة تأثيره على الجوف والبطن. وقد جاء في أثر ابن عباس -رضي الله عنهما - وغيره أن في أبوال الإبل شفاء من ذربة البطن، أي مما يكون في البطن من الاختلاف والاعتلال، وقالوا إن أفضل ما يكون بول الإبل ولبنها مؤثراً إذا كانت ترعى الشيح والقيصوم، وكلاهما من مرعى الإبل، وهما من أفضل وأجود ما يكون من المراعي. أما إذا كانت الإبل معلوفة فإنها أضعف في التأثير؛ لأن مرعاها له قوة وتأثير على اللبن والبول. ولذلك كان من فقه البخاري أن بوّب باباً في صحيحه فقال: «باب الدواء بأبوال الإبل». وما تقدم من إثبات الحقائق الشرعية في حليب الإبل هو ما أثبته الطب اليوم. فدعني أخي عبد العزيز أخبرك بأن هذا الأمر المذكور عن حليب الإبل في السنة غير عجيب في عالم الطب الحديث!! نعم، فقد أثبت الطب الحديث أنّ من الأدوية التي تُستخدم في علاج الجلطة الدموية مجموعة تسمى FIBRINOLYTICS، وتقوم آلية عمل هذه المجموعة على تحويل مادة في الجسم من صورتها غير النشطة PLASMINOGEN إلى الصورة النشطة PLASMIN؛ وذلك من أجل أن تتحلل المادة المسببة للتجلط FIBRIN. وأحد أعضاء هذه المجموعة هو UROKINASE الذي يُستخرج من خلايا الكلى أو من البول كما يدل الاسم URO- البول في الإنجليزية URINE. ومن الاكتشافات الطبية في هذا ما قامت به الدكتورة أحلام العوضي التي أشرفت على بعض الرسائل العلمية التي نجحت في تأكيد فعالية مستحضر تم إعداده من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يصنَّع بهذه الطريقة على مستوى العالم. وقد تقدمت بطلب براءة اختراع إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية منذ عام 1419ه. وقد نشرت وكالة الأنباء السعودية (واس) الأحد 15 ذي الحجة 1431ه، الموافق 21 نوفمبر 2010، هذا الخبر: اكتشف فريق بحثي بكلية الطب في جامعة الملك سعود دليلاً علمياً، يثبت أن أبوال الإبل تحمل خصائص مثبطة للصفيحات الدموية، تشبه مفعول عقارَيْ الأسبرين والبلافكس معاً؛ إذ يُستخدم الدواءان بشكل واسع للحماية من النوبات القلبية والدماغية. وأكدت الدراسة أن هذا التأثير لم يثبت وجوده في أبوال الأبقار أو الإنسان. وقد أُجريت تلك الدراسة في مختبر أبحاث تخثر الدم بكلية الطب بجامعة الملك سعود، تحت إشراف الباحثين البروفيسور عبدالقادر بن عبدالرحمن الحيدر أستاذ علم الأدوية، والبروفيسور عبدالجليل عبدالقادر المتخصص والخبير في تخثر الدم والصفيحات الدموية. وقد تم قبول نشر البحث في دورية عالمية متخصصة هي: دورية الطب البديل والمكمل (j. Alternative الجزيرة Complementary Medicine). علماً بأن الدراسة شملت جمعاً لأبوال إبل من مختلف مناطق المملكة. وبيّن الدكتور الحيدر أنه من المعروف علمياً أن العقاقير التي تثبط الصفائح الدموية لديها أيضاً المقدرة على تثبيط نمو الخلايا السرطانية. وهذا ما أكدته الباحثة السعودية د. فاتن خورشيد الحاصلة على درجة الدكتوراه في هندسة الخلايا، بأنها توصلت هي والفريق العلمي المساند لها في مركز الملك فهد للبحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية إلى استخلاص دواء من بول الإبل يعالج 7 أنواع من السرطانات! وتم تسجيل براءة اختراع في 53 دولة أوروبية وأمريكا والصين والخليج لهذا الاكتشاف. ثم إن العجب لا ينقضي من هذا الكاتب وبعض الكتّاب مثله حينما ترى هذا الحماس المحموم في إنكار الموروث في الثقافة الإسلامية، على حد تعبيرهم، وكأنهم ليسوا ممن ينتمي إليها؟! فما سبب هذا الحماس؟ مع أنّ للأسف لم نجد من الغرب من تهجم على لحم الخنزير، وطالب بإنكار هذا المورث، مع أننا نعلم جميعاً بأن القرآن قد بيّن حرمته، والطب أثبت ضرره!! أما قضية فيروس الكورونا فكان يمكنك مناقشة الأمر بأسلوب علمي، ولا داعي إلى أن تتهكم على حليب (الخلفات) عبر هذا العنوان الساخر المزعج. ثم إن هذه القضية ليس الحل لها - كما زعمتَ - هو القضاء على هذا المورث الإسلامي، بل حلها عن طريق إيجاد اللقاح بعيداً عن الإنكار والهجوم على موروثنا. مع أني أشد على يدك بما ذكرت حول مزايين الإبل والآثار السيئة على بلادنا، وما نتج وينتج من أمور لها آثار وخيمة علينا من جراء هذا الغلو والمبالغة في أسعار الإبل.