أن تتمازج مسؤوليات وزارة الداخلية وهيئة التحقيق والادعاء العام بإصدار قرار يحدد (عشرين جريمة كبيرة موجبة للتوقيف منها الابتزاز والتفحيط واختلاس الأموال العامة) وقائمة أخرى تشمل مختلف التجاوزات والاعتداءات، فإن وزارة الداخلية ترسم خطة عمل تكمل فيها مشروعها الأمني الكبير.. فنحن بلد ينمو في كل الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها، ونحن بلد مفتوح على جميع الاتجاهات، ولدينا فائض هائل من العمالة من جنسيات مختلفة نقلت تقاليدها وسوء وعيها ونشاطاتها المختلفة إلينا، كذلك بحكم هذه التطورات بدأت تظهر أشكال جديدة للانحرافات بسبب ظروف مختلفة، ضعف البنية التربوية للمنزل والمدرسة، ووجود محترفي الجريمة وخاصة توريد وتعميم المخدرات، يقابلها الحقن الفكرية والذهنية التي تغسل أدمغة شبابنا للاتجاه إلى الإرهاب والتي لم تعد تقتصر على الرجل وحده حين دخلت إلى منافذ النساء وتطوعهن في قبول هذه الأفكار والتفاعل معها.. هذه الأنماط السلبية التي عاشت وتطورت في مجتمعنا لا تحجب الصورة المضادة لنمو الوعي وانتشار التعليم والابتعاث، والتقدم الاقتصادي، والتطورات المتلاحقة التي غطت معظم مساحات وطننا، وما دام ينشأ في كل مجتمع طرفا علاقة سلبية وإيجابية، فإن الأمن يأتي على أولويات غيره من حيث تحصين المجتمع ودفع الجريمة عنه بمختلف الوسائل.. الجانب الآخر أننا محاطون بمجتمعات قلقة متصارعة تنزع إلى تصدير حالاتها السيئة لغيرها، وهي ضريبة التخلف والفساد والقهر الاجتماعي والفقر، لكن ذلك لا يعني السكون أو التعامل مع هذه الظروف بدون رادع أمني يسعى للتخطيط لحركة المجتمع وتفاعلاته واستحداث التشريعات المناسبة له بمكافحة الجريمة بكل أنواعها الشخصية والجماعية، والمتستر عليها أو المستوردة من خلال مختلف المنافذ.. فالتواصل العالمي بوسائط مختلفة، وعوامل السفر للعالم الخارجي، والانتقال السهل للمعلومة وتخزينها وترويجها كل ذلك طبع السلوك العام بالعديد من التطورات وهو أمر طبيعي إذا ماعرفنا أننا نعيش في عالم واحد تتعدد فيه الفصول والثقافات والنزعات العدوانية والإنسانية، وكي نصل إلى ما يحقق أمننا كان لابد من إدخال التقنيات الحديثة والتشريعات المتطورة التي تضمن حقوق الإنسان وفق المنظور الذي يتناسب وعلاقات كل بلد بشرائحه الاجتماعية.. خطوة وزارة الداخلية بالحد من نوازع الشر بألوانه المختلفة حكيمة، وطبيعي أن تأتي هذه الخطوة من خلال تجارب واستنتاجات ودراسات مختلفة أسوة بما سبقها من خطوات تطورت مع ظرفها الزمني وحاجاتها الآنية، وكما أن تطبيق نظاميْ نزاهة وساهر كحدثين جديدين أثارا الكثيرين وصنفوهما بالسيئ والحسن، إلا أن التشريعات الرادعة دائماً لا تلقى القبول لأنها تنظيم يؤدي للقسوة في نظرهم، لكنها تحمي الأكثرية من الفساد والسرعات الجنونية التي كلفتنا قتلى ومعاقين وتلفاً مادياً هائلاً، تماماً كما هي نزاهة في إعلان حرب على الفساد بصوره المختلفة والمتجذرة.. القرار الجديد ربما لم يلفت النظر إليه لأنه يأتي في سياق عمل قائم، لكنه، وبصورته الراهنة هو تحديث مهم نظر إلى الصورة من جوانبها المتعددة، وذهب لأن تكون رادعاً شرعياً يحمي مختلف الأطراف من سلبهم حقوقهم المشروعة..