بني.. أربع عشرة سنة ولّت لفقدك، غسلت بها قلبي بصافي دموعي، تمنيت لقياك لعلها ترد إلى نفسي ما ضاع من عمري. بني.. أجبرتني دموعي أن أكتب.. وهمومي أن أبكي.. وقلبي أن أفكر.. فهل هو الإحساس بفقدك كمن فقد نعمة البصر؟ فليس لظلمتي نور ولا لأعماقي نهاية. بني.. في لمحة عين أُطفئت شمعتك.. وتركت لنا حزناً عميقاً تجرعناه صباح مساء فأصبحت الدنيا ظلاماً.. غاب بدرها وأطال الغياب.. فهل زرت ربوع قلبي؟ فهو ينزف شوقاً وحنيناً وجرحاً لم يلتئم، وألماً تراكم من سنين. بني.. مازلت أحس بوجودك حولي، أشم رائحتك، تهيم أفكاري بك، وأحس بروحك تدور داخل دائرتي، أرغب ملامستها وتأبى ذلك. بني؛ يا من تسكن ذاك القبر.. تحاصرني ذكراك وأراك جميلاً في جنةٍ معشبة فيحاء طيبة. بني.. ماتت سعادتي وفرحتي وأملي بفقدك.. يا فلذة كبدي وعمق مشاعري ورعشة قلبي، أفتش عنك وفيك، تدور أفكاري بك ليلاً وأبكيك نهاراً، فلم يعد في قلبي متسع للحزن. بني.. ينتابني شعور أنك طارئ على هذه الدنيا، وأنك لا محالة راحل إلى حيث يليق بك، فإليك أبكي وتحت قدميك تجري دموعي. بني.. تدمع عيناي عندما أرى أقرانك حولي يداعب بعضهم الآخر، وأتساءل: ألم يكن يحق لك الوجود والعيش بيننا؟ بني.. لا يشعر بالألم المعافى.. ولا يشعر بالحزن إلا الحزين.. فكيف تجرع أهل الاطفال من حولنا مرارة فقدانهم أمام أعينهم.. كيف صرخوا؟ كيف حزنوا؟ كيف صبروا؟ بني.. بعض الحزن ينفعك يضيء العتمة، ينقذك من أوهامك، يُريك حقيقة الأشياء، وبعض الحزن يقتلك، يجمد إحساسك، يوقف عجلة الزمن، يفقدك شهية الحياة. بني، أملك قلباً لا يؤذي أحداً؛ ولكنه يؤذيني فيعيش هماً بعد هم، وتكتب رموشي عباراتي، فمشاعري متدفقة لتقبيل كفك وسماع صوتك وضمك لصدري. بني.. بكل جوارحي مشتاق إليك.. واشتاقت إليك ألعابك، أطلْت عليها غيابك، فلا أظنها تدري أنك لن تعود. بني.. أُرسل لك قُبلات إخوتك واحداً تلو الآخر يهدونك أرق العبارات.. وسلاماً لك من رحم ضمك.. وسلاماً لك من عين لاحظتك تكبر.. وسلاماً لك من قلب كان وجودك حياته. أخيراً جعلك الله شافعاً لوالديك.