لو سألتني عن أفضل مطبخ في العالم لرشحت بلا تردد "المطبخ الهندي".. فالهند بلاد النكهات الغنية والأطعمة الزكية ولا يمكن مقارنته بأي مطبخ في العالم.. زرتها مرتين؛ الأولى في سبتمبر2012 استمتعت خلالها بشتى أنواع الكبسات والبرياني والمشويات التي لم يشاركني فيها مرافقي الهندوسي لدرجة أيقنت أنني سأصبح بدينا جدا في حال بقيت لشهر إضافي..!! والمفارقة أنني زرت بعدها اليابان التي (وإن كنت أراها واحدة من أجمل الدول في حياتي) أعتبرها صاحبة أسوأ مطبخ في العالم.. فالمطبخ الياباني بالنسبة لي قائمة مكررة من المنتجات البحرية بحيث يمكنك أن تتناول على الفطور القواقع والمحار، وقطعا من ذراع الأخطبوط.. ثم تتناول على الغداء قطعا أخرى من ذراع الأخطبوط والمحار والقواقع (مجرد اختلاف في الترتيب) في حين تتضمن الوجبات الفاخرة شيئا من الأسماك والسوشي البارد ومخلوقات هلامية غريبة!! وإن كنت لا تعتبر هذه مشكلة (كونك مثلا من عشاق المأكولات البحرية) ستواجهك مشكلة صغر الأطباق وحجم الوجبات نفسها (لدرجة كنت أنتهي جائعا كما بدأت).. فطبقك الفاخر في اليابان قد لا يتضمن أكثر من قطعة أرز باردة لا تتجاوز حجم المشمش.. أما القطع البحرية ذاتها فتقدم غالبا في "زبادي" صغيرة تمتلئ بمرق له ليس أي طعم أو طحالب بحرية لا تعرف كيف تحملها بعودين رفيعين!! .. وفي فبراير الماضي 2014 كررت رحلتي للبلدين ولكن هذه المرة بطريقة معكوسة.. فقد زرت اليابان أولا في مهمة رسمية ثم عدت بعدها الى الهند فتأكدت مجددا من وجود فوارق شاسعة ليس فقط بين الشعبين والثقافتين بل وحتى بين المطبخين الهنديوالياباني!! - ولكن؛ من يدري أيها السادة، قد يكون هذا هو السر في عدم إصابة اليابانيين بالسمنة.. فمن حيث "النوعية" لم تكن اليابان يوما أمة زراعية (نظرا لأرضها الضيقة والجبلية) وبالتالي اعتمدت منذ القدم على الطعام البحري المعروف بسعراته القليلة وفوائده الصحية.. لم يعتد اليابانيون خلال تاريخهم تناول المنتجات الكربوهيدراتية (كالخبز والدقيق والمكرونة والبيتزا وعموم السكريات والمعجنات) المسؤول الأول عن انتشار السمنة في العالم.. أما من حيث "الكم" فعلمتهم المجاعات وقلة المحصول وانحشارهم فوق جزيرة صغيرة أهمية عدم الإسراف وتناول كميات صغيرة يتم تقديمها على شكل مكعبات أو حساء أو ضمن أوان تشبه لعب الأطفال.. وفي المقابل تتناول الشعوب الخليجية طعامها في صوان ضخمة وكبيرة بحيث لا يشعر الانسان أنه "أكل" ما لم ينته منها كلها - خصوصا في ظل أمرنا ب"إحسان النعمة" وضرورة الانتهاء من طبق يفيض عن حاجتنا !! الحقيقة هي أن سعة الأطباق وحجم الوجبات جزء من مسببات البدانة في أي مجتمع (وجرب لعام واحد فقط الاكتفاء بسندوتش من الخبز الأسمر على العشاء لتفاجأ بعدد الكيلوغرامات التي تفقدها).. ويؤكد هذه الحقيقة انخفاض معدلات السمنة بين الشعوب الصفراء (اليابانية والصينية والكورية والمالاوية) مقابل انتشارها بشكل كبير بين الشعوب الغربية والشرق أوسطية.. فالسر يكمن (بالاضافة الى اختلاف نوعية الطعام) في حجم الأطباق التي يتناولها كل طرف.. ففي حين يعتبر الكرم لدينا منافسة غذائية (حيث ترى تُملأ الصواني في الأفراح والمناسبات بجبال الأرز) يوزع اليابانيون في حفلاتهم قطعا صغيرة من السوشي المغطى بطبقة رقيقة من جلد السمك.. وفي حين يلتهم "الأمريكي" سندوتش الهامبرجر الضخم في ثلاث أو أربع قضمات يستغرق المواطن الصيني نصف ساعة لالتقاط حبات الأرز بعودين رفيعين.. وفي حين لا يشعر المكسيكي بالشبع فيعمد الى ابتلاع كمية إضافية من الكولا والبطاطس المقلية يشعر الماليزي بالامتلاء والشبع بفضل الفترة الطويلة التي قضاها في تناول طبق صغير (هو في الأصل قليل في سعراته الحرارية)!! .. الطريف في الموضوع أن معظم طلابنا في اليابان أصبحوا بمرور الزمن يتمتعون برشاقة يحسدهم عليها أصدقاؤهم في أمريكا وأوروبا.. .. أما الخبر السيئ فهو أن الجيل الياباني الجديد بدأ يميل للطعام الغربي المليء بالدهون والمنتجات الكربوهيدراتية - بدليل الانتشار السريع لمطاعم الهامبرجر والبيتزا في المدن الرئيسية!