الترحال من أجل البحث عن الكلأ يمثل طبيعة وسلوك في حياة البادية منذ القدم، حيث يشكل الرحيل من مكان لآخر تظاهرة اقتصادية واجتماعية لدى سكان البادية يصحبها العديد من التغيرات وغالباً ما يكون الترحال بشكل جماعي وفي نطاق ضيق يكون بشكل فردي كونه يشكل خطرا على حياة الفرد لما كانت عليه الصحراء قديما من ضعف في الأمن من الأحياء الفطرية المفترسة ومن الحنشل، على العكس من الترحال الجماعي على مستوى الجماعة او القبيلة حيث يحقق التعاون والأنس خلال الطريق والمقام في المكان الجديد، وبسبب الترحال جاء مسمى البدو الرحل. والجزيرة العربية بتباينها التضاريسي والنباتي واتساعها كانت مسرحا للترحال والذي يعد دراما تجري احداثها بناء على ما تفرضه طبيعة الصحراء القاسية وهناك رحيل يعرف باسم «الرحيل المر» عندما يفرق بين الأحباب أو الجيران، يقول الشاعر مشعان الهتيمي: كل ماجيت أنا وحبيبي انتلايم شد الشديد ونوهوا بالتفاريق ويأتي ألم الفراق بعد الرحيل كونه قد يكون أبديا لعدم وجود وسائل الاتصال بعد الرحيل في تلك الحقبة أو عدم العودة الى المكان نفسه وهذا يحدث عندما تتجاور مجموعتان من البدو كل مجموعة من قبيلة وتعرف كل مجموعة باسم الفريق، حيث يصاحب مرحلة الرحيل دراما تدور أحداثها المؤلمة في صمت وأنين تصحبه دموع الفراق ويزيد من ألم الفراق العشق العفيف بين المفارق وبين المقيم يقول الشاعر زبن بن عمير يصف هذه الحالة: جاض قلبي يوم شفت البيت ينطوي جوضة اللي وطا رأس الحنيش ومع بداية نسيج العشق في شغاف القلوب تتغير ملامح المكان ويصفر ورق العشب وتذبل الزهور ويجف المكان وتعود المواشي الى موقع مراحها في وقت الضحى تبحث عن الماء وكأنها تعلن بداية مرحلة الظمأ لساكني المكان جميعا وهنا يلوح شبح الفراق وتتعالى أصوات غير مرغوب في سماع ما تقول لأنها تنادي بالتفاريق يقول الشاعر عبد الله بن سبيل: لا والله الا صار للبدو نوناه وثوّر عسام الجو مما عفت به والبيت هدّن الخدم زين مبناه طوّن ذراه وقينة الزمل جت به ورغم مرور السنين على حياة البادية الا ان دراما الفراق مازالت ومازال الشاعر يتألم من الفرقا وطاريها.