دخلنا من جديد في تجاذب القوى بين الشرق ممثلة بروسيا، ودول الأطلسي في الغرب وكل منهما يريد تحجيم الآخر بحرب اقتصادية تنذر بضغوط حادة على روسيا، لكن الأخيرة وضعت حسابات لذلك بتحمل الصدمة بمزاعم أن هذه الممارسات قائمة منذ الاتحاد السوفيتي وإلى الآن ولن يضر بها أو يجعلها تستسلم.. سياسياً كل يلوح بأوراقه، فروسيا قالت إنها ستقف مع إيران في قضية مشروعها النووي، لكن إذا وضعنا الحقيقة أمامنا، فإن المقاطعة الغربية لإيران كانت أكثر قسوة من الانفتاح الروسي عليها، ورغم احتياجاتها العسكرية والنووية، وإنتاج بعض الأسلحة بتعاون بينهما، إلا أن الغرب جرد هذه المصالح من قوتها، وبالتالي جاءت المباحثات مع أوروبا وأمريكا بترحيب غير مسبوق من إيران وهذا يؤكد أن عوامل كثيرة تحتاجها من الغرب أكثر من روسيا، وفي الظرف الراهن لا تريد أن تكون خصماً ولا صديقاً لكلا الطرفين الشرقي أو الغربي، غير أن ذلك قد يجعل إيران نفسها ورقة مساومة مع روسيا، وخاصة أن تلويح إسرائيل باستخدام القوة منفردة، قد يكون من بين المواجهات السياسية شبه الصريحة، مع أن أمريكا رفضت أي مواجهة عسكرية معها بدواعي أن فرص الحلول السياسية قد تكون الأجدى.. ما يجري على جبهة إيران في صراع القوى يحضر بشكل حاد مع سوريا، إذا ما اعتبر انتصاراً لروسيا سياسياً ودعمها الصريح للأسد قد يدفع بالطرف المناوئ تزويد المعارضة بأسلحة متطورة قد تغير موازين القوى على الأرض وتجبر الأسد قبول حلول كان يعارضها بحيث تعود صورة روسيا أمام العرب والعالم الإسلامي بأنها العدو الحقيقي للشعب السوري وأزمته، لكن ماذا لو حدث العكس بحيث جاءت الحلول من روسيا بضغط مباشر على النظام السوري وطرحت مشروع حل يلتقي مع اتفاق جنيف (1) بحيث تفوّت على خصومها أي مواجهات على الساحتين الايرانية والسورية؟ المؤكد أن أزمة أوكرانيا دخلت في نزاع لا يقف على أرضها وإنما امتد لتشمل مواقع أخرى فرضت المزايدات على أطراف الصراع ومثلها الغرب قد يفتح جبهة جديدة لروسيا في موقع آخر، إلى جانب تكثيف الضغط الاقتصادي، فالرئيس الروسي يرى أن سياسته حققت مكاسب داخلية ووضعته شعبياً، بطلاً قومياً وما زال فعلياً من كسب الجولة الأولى في سوريا، والثانية في القرم، ومن يرى التصاريح الغربية يجدها بلا جدوى لأن لا قيمة للحظر على عدة أشخاص روس أو أوكرانيين وأوروبا نفسها تزن موقفها وفقاً لمصالحها، ثم إن المواجهات في مجلس الأمن كسبها الروس والصينيون أكثر من الأعضاء الباقين.. مثلاً هل تستطيع أوروبا أن تستغني عن النفط والغاز الروسيين بايجاد مصادر أخرى تعوضها كالتلويح بالغاز الصخري الأمريكي، وكم يحتاج مشروع كهذا الدخول لحيز التنفيذ، ثم إن هناك استثمارات بينه، واتفاقات عسكرية قد تصبح أيضاً أوراق لعب بين الطرفين، وربما عودة لسباق تسلح قد يضغط على الأوضاع الاقتصادية الأوروبية والأمريكية؟ المعركة تطير بعدة أجنحة لكن أين ستحط، هو المجهول الآن، وقد يكون سرابياً في المستقبل القريب لأن الجميع داخل ساحة الحرب الجديدة..