مدن العالم تحمل جغرافيتها العمرانية والسكانية، مركزاً وهامشاً، خلقت طبقة النبلاء والأثرياء، في وقت لجأ الفقراء والمعوزون إلى الهامش، لتنشأ ماسمي بأحياء الصفيح أو المهمشين وهم البيئة الحاضنة للجريمة بأنواعها، السرقات، والقتل والمخدرات، والتجاوزات الأخلاقية الأخرى حتى صارت مادة لصناع السينما باختراق هذا العالم المجهول، وكيف أنها تهدد سلامة الإنسان وأمنه، وحاضنة لتجاوزات القوانين، والأعراف، حتى أن قوى الأمن عاجزة أن تقتحهما أو تعالج تجاوزاتها.. مدننا نشأ فيها نفس النوع، فقد كانت أحياء بالرياض مثلاً كالمغتصبة المجاورة لخلف المساحة العسكرية، والمنازل الأخرى خلف السفارات والجرادية والصالحية وغيرها، كان سكانها من الطبقة الوسطى من الموظفين مدنيين وعسكريين، وبقيت آمنة متجانسة السكان، ومثلها ما يوجد في مدننا الأخرى الكبرى والمتوسطة حيث تأسست أحياؤها ما قبل الطفرات والصندوق العقاري، واتساع جغرافية المدن، بأن ظلت الأحياء الشعبية الحقيقية للطبقة الوسطى أو ما دونها.. بعد تحولات المدن ونزوح العائلات من بيوتها المتواضعة الشعبية إلى الفلل أو الشقق، جاء دور العمالة الأجنبية، وأصحاب البدون، ومخالفي الإقامة لتسكنها وقطعاً نمت أوضاع أخرى تشابه حالات وسلوكيات هوامش المدن بالعالم الخارجي من حيث ضعف الأمن والتجاوزات الأخلاقية، ولأن هذا الفصل بين هذه الجنسيات والمواطنين، دفع بهم إلى امتهان أي شيء يؤمن حياتهم بما فيها ترويج كل محرم، ونحن أمام حالات واقعية وظاهرة بدأت تكشف صورة مدننا، وقد كانت الآراء وبعض الدراسات، أن هذه الأحياء لابد من تأهيلها لتكون جزءاً من وضع المدينة بتنوع طبقات سكانها، غير أن هذه المشاريع قتلتها البيروقراطيات والخطط الخمسية والعشرية، مع أن المخاطر بدأت تتضاعف مع نمو تلك الأحياء التي لا تلتزم بأي أحكام شرعية أو قانونية، وهي طبيعة أي طبقة مهمشة.. مدننا تتوسع خارج حدودها، وكلفة إنشاء ضواحٍ تحيط بحدودها وبدون تخطيط مسبق لأزمات الكهرباء والمياه، والمرافق الأخرى، وكذلك السيطرة على أمنها من أي طوارئ، وفي بيئة شحيحة بالمياه لابد أن تجعل مسألة تطوير تلك الأحياء بديلاً موضوعياً لأنها مكتملة المرافق، ولأنها جاذبة لأن تكون بيئة متجانسة سكانياً وتجارياً وطبقياً، ووسط المركز مما يعيد كثيراً من أصحاب طلبات المساكن الجديدة، أن يعيدوا الحياة إليها وتطويرها.. حالات الاختناق التي تحاصر مدننا بمسألة تأمين السكن، وموضوع ارتفاع أسعار الأراضي، ومواد البناء والكهرباء وغيرها، نستطيع حلها بمشروع يعيد الحياة لأحياء ومحاصرة التوسع السرطاني الذي جعل من مدينة الرياض مثلاً تتجاوز مساحات مدن مثل القاهرة عشرات المرات، والسبب أن التخطيط العشوائي في مرحلة الطفرة الأولى، وإلى اليوم أحد أسباب تنامي هذه الأزمات.. لا أعرف ما يدور في ذهن مطوري المدن، لكن إعادة النظر بما نشأ في تلك المراحل يمكن معالجته وبما هو أسهل من توسع أفقي أو رأسي خارجها وبتكاليف بتجاوز قدرات المستقبل.