وزير خارجية إيران: نحن مستعدون للتفاوض مع واشنطن بشأن البرنامج النووي    ضبط (8) مخالفين في جازان لتهريبهم (160) كجم "قات"    مساعد وزير الثقافة يفتتح فعاليات «سالوني ديل موبيلي ميلانو» في الرياض    انطلاق منافسات "فورمولا 1 للزوارق السريعة" بجدة    الجبير يستقبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة    برشلونة يفقد جهود لوبيز لمدة أسبوعين بسبب الإصابة    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    تجمع الرياض الصحي الأول يعزّز جاهزية الرعاية الصحية في معرض الطيران السعودي 2025    محافظ مرات يكرم المشاركين بموسم شتاء مرات ( 6 )    بدر الشهري مديرًا لإدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة    قبل ديربي حائل.. ماذا قدم الطائي والجبلين في دوري يلو؟    السيف العقارية تستحوذ على أرض صناعية في الظهران بمساحة مليون م2 وبقيمة تتجاوز 430 مليون ريال    بدء أعمال السجل العقاري ل 31 حيًا بمناطق الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 750 كرتون تمر في مديريتي الضليعة وغيل بن يمين بمحافظة حضرموت    هيئة تنظيم الإعلام تحيل 6 أشخاص إلى النيابة العامة بسبب نشر محتوى يؤجج الرأي العام    الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على مدينة طوباس لليوم الثاني على التوالي    المملكة تقيم مخيمًا جديدًا لإيواء الأسر التي فقدت مُعيلها في قطاع غزة    حوارات تحت سقف واحد.. بين الفردية وشراكة الحياة الزوجية    بقيمة 3,8 مليار ريال دار وإعمار توسّع محفظتها التطويرية في الرياض عبر مشاريع سكنية جديدة واتفاقيات استثمارية خلال سيتي سكيب 2025    "التخصصي" يستضيف قمّة التعاون في الجراحة الروبوتية بالرياض    العرض السعودي مزاد عاطفي يشارك في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    طالب من الطائف يشارك في المجلس الاستشاري للطفولة المبكرة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على روزنامة "مهرجان جازان 2026    تثبيت سعر الفائدة الرئيسية في كوريا الجنوبية    فوز كاتبة فرنسية بجائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة    علماء صينيون يطورون لسانا اصطناعيا لقياس مستوى الطعم الحار    تقمص هيئة والدته «المتوفاة» لأخذ معاشها    وسط تحذيرات إسرائيلية من تصعيد محتمل.. اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص    أبطال أوروبا.. ليفربول يسقط برباعية أمام آيندهوفن    في ربع نهائي كأس الملك.. الأهلي والاتحاد يواجهان القادسية والشباب    في خامس جولات كأس آسيا 2.. النصر يقسو على استقلال دوشنبه ويتأهل لثمن النهائي    وسط خلافات مستمرة حول بنود حساسة.. الكرملين يؤكد استلام النسخة الجديدة من «خطة السلام»    «الثقافة» تعزز الهوية الوطنية في المؤسسات التعليمية    أكد أن مؤتمر «حل الدولتين» حقق نجاحاً كبيراً.. الدوسري: توظيف العمل الإعلامي العربي لخدمة القضية الفلسطينية    تقليد إلفيس بريسلي ينهي مسيرة قاض    الجيش يطالب بانسحابها من المدن.. قوات الدعم السريع تنقض الهدنة    استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    عبر منظومة خدمات لضيوف الرحمن.. الحج: 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال جمادى الأولى    «المالية»: نظام الرقابة المالية نقلة نوعية    «مدينة القدية» تقدم ألعاباً عملاقة مبتكرة    أكد أهمية دور الأسرة.. رئيس جمعية حقوق الإنسان: تعزيز الحماية الرقمية يحد من العنف ضد المرأة    خلال المؤتمر العالمي ال48 في جنيف.. السعودية تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح أوروبا    40% يضعون الطاقة الشمسية ضمن خياراتهم    أمير تبوك يستقبل قنصل الفلبين    مبابي يسجّل ثاني أسرع «هاتريك» في تاريخ دوري أبطال أوروبا    ملف الرفات وتحديات الهدنة: تبادل هش ومصير معلق في غزة    تصاعد الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن: جهود مكثفة لإنهاء حرب أوكرانيا    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب يعقد أعمال دورته ال21    الأمن العام يدعو ضيوف الرحمن إلى الالتزام بالممرات المخصصة داخل الحرم    13.9 مليون إجمالي مرات أداء للعمرة خلال شهر جمادى الأولى    تعديل بعض مواد نظام التسجيل العيني للعقار.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة المالية و«إستراتيجية التخصيص»    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة باجتماع مجلس الدفاع المشترك.. تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين دول التعاون    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة أحياء في مدينة فلسطينية تحت الاحتلال
نشر في الحياة يوم 20 - 03 - 2010

 الأمكنة الصغيرة ما هي إلّا ثلاثة أحياء أو أماكن من مدينة رام الله الفلسطينية، والتي تحولت من مجرد قرية فلاحية صغيرة في أوائل القرن الماضي، إلى عاصمة للسلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، حيث ساهمت عوامل داخلية وخارجية، أبرزها تحويلات المغتربين من أبناء رام الله في الولايات المتحدة وغيرها، في إنعاش من بقي من عائلاتها وتوفير مساكن ومؤسسات جديدة، كما كانت للإرساليات التبشيرية المسيحية – سكان رام الله في الأساس كانوا ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية المسيحية – أدوار مهمة في تغيير وتطوير رام الله والبيرة وقضائهما. كما أنه كان للنكبة الفلسطينية عام 1948، واحتلال القسم الأكبر من فلسطين من قبل القوات الصهيونية، وطرد مئات الآلاف من السكان ولجوئهم إلى أماكن وبلدان محيطة، دورها في رسم مآلات مختلفة، فاستقبلت رام الله والبيرة وقضائهما آلافاً من النازحين الذين سكنوا إما في مخيمات قرب الحواضر، أو سكنوا في أحياء جديدة أو قديمة من بعض المدن الفلسطينية في الضفة الغربية التي انضمت منذ خمسينات القرن الماضي إلى الأردن، ليتم إعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية، بعد أن كانت إمارة.
كل ذلك وغيره ساهم في تغيير دور ووظيفة القرية التي كانت صغيرة، لتصبح مدينة وعاصمة، بعد أن تم تضييق المساحة التي كانت تفصل رام الله عن البيرة، لتصبحا مدينة واحدة، أو فضاء حضرياً واحداً مع غيرهما من أحياء ومخيمات، فما الأماكن الصغيرة التي خضعت للبحث والمقارنة والدراسة الميدانية، وما هي القضايا الكبيرة التي تم تبيانها والكشف عنها، وربما اختزال وجودها من خلال تلك الأماكن؟ حيث تصدت للبحث فيها مجموعة من الباحثين والدارسين أبرزهم: رلى أبو دحو، ولميس أبو نحلة، وليزا تراكي، وبني جونسون، وأميرة سلمي، وجميل هلال. وقد صدرت دراستهم الميدانية البحثية في كتاب حمل عنوان «أمكنة صغيرة... وقضايا كبيرة – ثلاثة أحياء فلسطينية في زمن الاحتلال» بداية هذا العام عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.
أما الأمكنة الصغيرة المقصودة والتي كانت مجالاً للدراسة والبحث الميداني، فهي مخيم الأمعري وحيا أم الشرايط والمصيون، واستمرت المراجعات والبحث والتداول مع سكان تلك الأحياء لمدة تزيد على نحو أربع سنوات من 2003 إلى 2007، فما مواصفات وخصائص تلك الأماكن؟
مخيم الأمعري: أقيم في عام 1949 على مساحة تبلغ 90 دونماً، ضمن حدود بلدية البيرة، وتولت الأونروا الإشراف عليه منذ العام 1950، وغالبية سكانه من لاجئي المنطقة الساحلية الوسطى الفلسطينية في محيط مدينتي اللد والرملة، أي أن سكان الأمعري خليط لاجئ من القرى والمدن – حضري وريفي – ومع أن المخيم يعتبر من الأماكن الملاصقة للبيرة ورام الله، فإن مجتمع الأمعري مقيّد وواضح الحدود. وتصعب رؤية المخيم من الطرق الرئيسة التي تحده، ولا يمر سكان رام الله بالمخيم، ونادراً ما يزورونه. ويبلغ عدد سكانه الفعليين بحسب إحصاءات عدة نحو ستة آلاف نسمة. ولا يختلف الأمعري كثيراً عن مخيمات فلسطينية أخرى – غالبيتها – في فلسطين التاريخية أو في الشتات.
وإذا كانت السلبيات التي تحيط حياة المخيمات جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس فيها، فكيف ينظر بعض السكان إلى هذا الأمر؟ وهل هناك من إيجابيات للعيش في المخيمات؟ خصوصاً أن هناك من يعتبر أن المخيم أصبح بمثابة هوية للاجئ، ومن الصعب الفكاك من الانتماء إليه، لأنه وفر ويوفر علاقات تضامنية وتكافلية في أسوأ المراحل، خصوصاً في أيام وسنين الانتفاضتين. كما يمكن الإشارة إلى أن النكبة تحولت إلى مكون من مكونات الهوية الفلسطينية المرتبطة بالذاكرة الجماعية، وهذا ما جاء نصاً على لسان نساء من مخيم الأمعري، تقول إحداهن: «ما معنى المخيم في نظري؟ إنه يحفظ حقي كلاجئة»، بينما تقول امرأة أخرى «ربما أبقى في المخيم بسبب حق العودة».
وتفسيراً لهذا الأمر، فإن التأكيد في هذا السياق يشير إلى هوية لا يراد التخلي عنها، أكثر من مجرد التمسك بالحق القانوني الذي لن يتضرر إذا تم الخروج من المخيم. هذا على رغم وجود رغبات متناقضة بين نوازع البقاء في المخيم أو الخروج منه، خصوصاً أن هناك خيبة أمل من تطبيقات اتفاق أوسلو، ومن السلطة الفلسطينية التي مثلت نقيضاً سلبياً لما ساد في مرحلتي الانتفاضتين بين السكان من توادد وتكافل وتضامن. ويمكن إيجاز الاختلاف بين واقع ووقائع الحياة في مخيم الأمعري عن أم الشرايط والمصيون بالآتي: يختلف مخيم الأمعري عن الموقعين المجاورين – أم الشرايط والمصيون – في ثلاثة جوانب على الأقل. الأول: يتميز بكثافة أكبر في عدد السكان، وباكتظاظ وبأسر كبيرة الحجم. والثاني: يسود فيه مستويات تعليمية وتشغيلية أدنى، فضلاً عن تباينات أشد بهتاناً في البنية السكانية، والأحوال الزوجية، في حين يكمن الجانب الثالث في هشاشة وضع السكان إزاء الفقر وافتقاد الطمأنينة».
حي أم الشرايط: لا شك في أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على غالبية تفصيلات الحياة اليومية في الضفة الغربية، وبينها رام الله ومنطقتها، من بينها حي أم الشرايط، على رغم وجود السلطة الفلسطينية. وموقع أم الشرايط هو كسابقه مخيم الأمعري، وحي المصيون يقع ضمن الحدود البلدية لرام الله والبيرة، ويوجد تباينات في المعنى الاجتماعي بين الأحياء الثلاثة، على رغم الحيز الجغرافي المتقارب بين الأحياء الثلاثة.
فسكان الأمعري تتكون غالبيتهم من أصول فلاحية، تحولوا إلى عمال، ومن شريحة دنيا من الطبقة الوسطى، وهناك غيرهم من المهمشين، ونشأ عقب النكبة، في حين أن حي أم الشرايط، هو جديد نسبياً، ونما بطريقة غير منتظمة، ويتكون من شقق في مبانٍ سكنية متعددة الطبقات، نشأ القسم الأكبر منها في فترة ما بعد اتفاقية أوسلو، وسكنتها عائلات تنتمي إلى الطبقة الوسطى وشريحتها الدنيا، وتضم عائلات لعائدين – من بلدان الشتات – ولنازحين من مناطق أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، يضاف إليهم عائلات انتقلت من مخيم الأمعري وأحياء مجاورة في رام الله، كما يوجد في أم الشرايط عدد من وزارات السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
وقد كشفت المقابلات والمحادثات مع بعض سكان أم الشرايط، عن تقاطعات مهمة في تقويم الانتفاضة الثانية مقارنة بالانتفاضة الأولى. وهو تقويم يميل إلى التوصيف السلبي لمسارات الانتفاضة الثانية، وإلى التوصيف الإيجابي للانتفاضة الأولى، وتكرر الربط بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومفردات كالفساد والمحسوبية والواسطة، وبين نظرة أخلاقية مستنكرة لما يتم تداوله (أو تخيله) انه يجرى في مدينة رام الله.
حي المصيون: في البحث الذي أجرته الباحثة أميرة سلمي، أوردت المعلومات الآتية: وجدت النواة الأولى للحي في أوائل خمسينات القرن الماضي، وبقي عدد سكانه محدوداً، ليزداد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ويتكون في الغالب من فيلات ومبانٍ سكنية، تقطن فيها شريحة عليا من الطبقة الوسطى، إضافة إلى عدد قليل من المنشأت التجارية الراقية. لكن وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 أخذ عدد سكان الحي بالازدياد، وتنوعت أصولهم، بعضهم جاء من مناطق أخرى في الضفة الغربية، وغيرهم جاء مع مجيء السلطة من الخارج، كما أن اجتياح القوات الإسرائيلية في ربيع عام 2002 دفع بأعداد أخرى للانتقال إلى حي المصيون، كونه أكثر أمناً قياساً بمناطق أخرى. وتتوافر فيه أنماط من الحياة والسلوكيات الخاصة المختلفة، من بينها عدم التدخل في شؤون الآخرين، والحرص على الخصوصية، وندرة العلاقات الاجتماعية المحلية. وذلك على رغم قيام تباينات وتنافسات بين المقيمين الأصليين القدامى في الحي مع غيرهم من الوافدين العائدين من الضفة أو من خارجها. مع ذلك فإن اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للضفة، وما رافقه من فرض نظام منع التجول، وإغلاق المدن ومداهمة البيوت، غيّر لفترة محدودة جداً العلاقة الرسمية بين الجيران – في حي المصيون على سبيل المثال – وهذا يعني أن غياب أو وجود علاقات مجتمع محلي في المصيون، يبقى محكوماً بحاجات السكان التي قد تلبيها مؤسسات اقتصادية وسياسية من خارج المكان.
من ضمن الانتقادات التي وجهها بعض سكان حي المصيون للسلطة الفلسطينية، أن وجودها أدى إلى تغير تمثل في حدوث فجوات طبقية بين الناس، كما أدى وجود الواسطة والمحسوبية إلى إغتناء فئات معينة على حساب أخرى. وتم اختصار حياة سكان حي المصيون بخلاصة تفيد بعدم توافر ما يمكن أن يطلق عليه «مجتمع محلي» حيث لا يوجد بين ساكنيه تحالفات وأشكال من الدعم والتضامن، ناتجة من تداخل في المصالح والعلاقات والأوضاع المعيشية، وهذا جزء لا يتجزأ من طبيعة الطبقة الاجتماعية التي تسكنه، حيث تعتبره مكاناً للسكن، ولتأكيد وضعهم الاجتماعي والاقتصادي المتميز.
من هنا... يبدو الأمعري وأم الشرايط والمصيون، أحياء وأماكن متقاربة ومتداخلة في الجغرافيا، لكنها مختلفة في الكثير من نمط العيش والسكن والسلوكيات وفي المواقف السياسية والاقتصادية، وغير ذلك.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.