في عام 1992 أعاد الإنجليز صياغة كرتهم من خلال تعديل شكل ونظام ومسمى الدوري الانجليزي الممتاز لكرة القدم، اذ تطور بعدها الدوري الانجليزي فنياً وتسويقياً ليصبح اليوم هو الدوري الأفضل والاغلى والأكثر مشاهدة على مستوى العالم، وبحكم انه النموذج الأبرز عالمياً، سألقي الضوء في هذا المقال على احد العوامل التي ساعدت على تطور الدوري الانجليزي تسويقياً، وهو عامل الرعايات (sponsorship)، فرعاية الدوري الانجليزي بدأت عن طريق شركة كارلينق (Carling) عام 1993بعقد مدته اربعة اعوام بمبلغ ثلاثة ملايين باوند في العام. وفي عام 1997 جددت كارلينق عقد الرعاية لاربعة اعوام اخرى بمبلغ تسعة ملايين باوند سنوياً، ليأتي بعدها دور البطاقة الائتمانية (باركليز كارد) التي ينتجها بنك باركليز اذ وقعت عام 2001 عقد مدته ثلاثة اعوام لرعاية الدوري الانجليزي بمبلغ 16 مليون باوند سنوياً، وكأنني بهذا العقد يجس النبض ويمهد (في حال نجاحه) لشراكة طويلة الأجل بين بنك باركليز والدوري الانجليزي، وبالفعل وقع بنك باركليز عام 2004 عقد شراكة لرعاية الدوري الانجليزي مدته ثلاثة اعوام بقيمة 19 مليون باوند في العام، ومرت هذه الشراكة بعدة مراحل اذ جُدد العقد في عام 2007 لمدة ثلاثة اعوام بمبلغ 21.7 مليون باوند سنوياً، وتم أيضاً تجديد العقد في عام 2010 لثلاثة اعوام اخرى بمبلغ 27.4 مليون باوند في العام، و في العام الماضي 2013 جددوا الشراكة لثلاثة اعوام إضافية تنتهي عام 2016 بمبلغ 40 مليون سنوياً. المسؤولون في بنك باركليز يفكرون هذه الأيام بعدم تجديد عقد الشراكة الحالي ليكون بذلك هو العقد الأخير، وقد أوضح احد مسؤولي البنك في مقابلة صحفية ان ذلك عائد للأسباب التالية: 1- في السابق كان هدفهم الرئيسي هو تكثيف ظهورهم الاعلامي ونشر علامتهم التجارية، فوجدوا ان رعاية الدوري الانجليزي هي الاداة الأفضل لتحقيق هذا الهدف وبالفعل تحقق هدفهم بشكل كبير جداً وفعال. 2 - في منتصف العام الماضي (2013) اصبح للبنك توجه جديد في ما يخص علامتهم التجارية، يحاولوا من خلاله ان يرسخوا في ذهن العملاء ان العلامة التجارية للبنك مرتبطة بالقيم التالية: الاحترام - النزاهة - الخدمة - التميز - الامانة، وحسب وجهة نظرهم فإن رعاية دوري كرة القدم الانجليزي لم تعد مجدية لتحقق هذا الهدف، وان عليهم ان يضعوا استراتيجية جديدة تكون مناسبة لتحقيق الهدف الجديد. 3- سعر رعاية الدوري اصبح مكلفاً بالنسبة لهم خصوصاً انهم يتوقعون بأن سعر العقد القادم لن يقل عن 50 مليون باوند في العام. 4- مساهمو البنك بدأوا يتذمرون من كبر حجم المبلغ الذي يدفعه البنك لرعاية الدوري. وأضاف هذا المسؤول بأنهم في البنك قد يرعون نشاطاً رياضياً آخر يكون سعره اقل ويساهم في تحقيق هدفهم الجديد. الأسطر السابقة وما فيها من معلومات تؤكد لنا بأن الدوري الانجليزي ليس فقط للمتعة ولكنه أيضاً يعطي دروساً في فن الإدارة والتسويق، فلو نظرنا للموضوع من جانب الدوري سنجد ان القائمين عليه تدرجوا في مطالبهم لرعاية الدوري من ثلاثة ملايين باوند عام 1993 مروراً بعدة مراحل ليصلوا الآن الى 40 مليون باوند في العام وهذا يعطي دلالة على انهم درسوا جيداً القيمة الفعلية لمنتجهم ووضعوا التسعيرة المناسبة له في ذلك الوقت، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل بدأوا في تطوير المنتج والاهتمام به حتى اصبح هو المنتج الأفضل عالمياً والمطمع الاول للشركات الراعية والقنوات التلفزيونية الناقلة. وعندما ننظر للمشهد من جانب الشركات الراعية تحديداً (باركليز) سنجد ان رعايتهم للدوري لم تأتي من فراغ بل كان لديهم هدف رئيسي (نشر العلامة التجارية) عملوا الاستراتيجية المناسبة التي أوصلتهم لتحقيق هذا الهدف، والآن تغير هدفهم وبدأوا في استراتيجية جديدة قد تبعدهم عن رعاية الدوري ولكنها بالتأكيد ستساعدهم على تحقيق هدفهم وهنا الاحترافية التي تدل على ان خطوات الشركات والبنوك هناك هي خطوات محسوبة بنيت على أسس صحيحة بعيداً عن العشوائية والمجاملات.