غالباً ما يتم تشبيه المغرور أو المتغطرس بالطاووس وأرجو ألا يكونوا بذلك قد ظلموا هذا الطائر الجميل، والذي ان صح ما يقال عنه فعلى الاقل فإنه يملك ريشا جميلا زاهيا، بينما اخونا سيئ الذكر لا يملك ما يميزه عن غيره سوى هذه الصفة القميئة والتي تقلل من قدره عند ربه وتفقده احترام الناس وتقديرهم، وتجد الصنف من هؤلاء اذا تحدث فانه يتحدث من ارنبة انفه وكأن الكلمات تخرج من ماكينة صراف آلي وليست من شخص غير سوى لم يدرك بان التكبر من صفات الخالق العزيز الجبار المكتبر، وبقدر مايمنحه هذا الانتفاخ او بالاحرى الورم نشوة مزيفة بقدر ماهو بحاجة الى مراجعة اقرب طبيب لعلاج مركب النقص الذي يعاني منه واستئصال هذا الورم الخبيث، وتجد الواحد من هؤلاء القلة الشاذة بطيء الكلام بطيء الحركة وان مد يده ليصافح احدا فبالكاد تلامس اصابعه يد الطرف الاخر وكأنه لمس سلكا كهربائيا مجروحا، وفي واقع الأمر فإن هؤلاء المرضى ليسوا بحاجة الى علاج فقط بل الى اعادة تأهيل لتقويم سلوكهم المعوج، الشخص المغرور فريسة لمركب نقص يسيطر على مشاعره بأن هذه هي الوسيلة السليمة لتجاوز إخفاقات معينة ترسبت في الذاكرة ولم يجد بدا من صدها سوى من خلال خنق مبدأ الاحترام وإفراغه من محتواه، وبالتالي فهو لم يدرك المعنى الجميل للإطار الذي يحتوي طبيعة العلاقة السوية بين البشر الذين خلقوا سواسية وهو ما يقره ولا يستشعره فضلاً عن ان يطبقه، والأدهى حينما تكون صيغة التهكم والتجريح المعنوي منطلقاً للبعض في نثر الأوجاع المختلفة، وما تخلفه من انتكاسات نفسية تسلب عنصراً من شرف الامتثال لقيمة حث عليها الدين الحنيف المتمثلة في التواضع وتخدش الرسالة النبيلة التي يجب أن يتحلى بها الجميع وفق التعامل الإنساني اللائق، فإذا طغت النبرة الفوقية التي تنم عن اختلال في مستوى الثقة بالنفس فان تغطية هذا الحيز الذي يأخذ هذه المساحة موازيا للمساحة التي فقدت ويعتقد بأنها فقدت منه وفق تصوره الخاطئ ظنا منه بان التعويض على هذا النحو سيعيد له اعتباره وقيمته وهو في واقع الأمر سيسقطه فهو لم يفقد شيئاً الا ان الاوهام نسجت له هذا التصور، ومن لا يحترم عقول الآخرين ومشاعرهم فإنه ليس جديراً بالمسؤولية والاحترام، وإما إذا نظر إليك فانك في هذه الحالة تتمنى انك لم تولد لتجد هذا اليوم وهذه الساعة وهذا الطاووس أمامك، والأمر المحزن حقا حينما تكون لك مصلحة او معاملة وتخليصها مرتبط بهذا الشخص حينئذ فان خيار المواجهة أمر لابد منه فتسلح بالصبر والثبات، وفي سياق متصل فإن المكابرة لا تبتعد كثيرا عن الغرور وكثيرا ماساهمت بإسقاط المتعالمين ومن يدعون أنهم يملكون سبل المعرفة والدراية، سواء كان كاتباً أو معلماً أو طبيباً أو مفتياً بغير علم ليضل ويُضل من حوله، وهي كما أسلفت تستمد قوتها عبر الاستدراج حينما تهتف الجماهير وتتفاعل مع ما يطرح لاسيما في حال ضخ كماً وافرا من الإطراء ليحاكي النفس وهم الشهرة التي لا تتكئ على قاعدة صلبة ومن ثم فان الصحيح وما يتوافق مع المعطيات وينسجم مع الواقع هو الذي يبقى في حين ان القفز على هذا المنوال نتيجته معروفة وهي السقوط، العاطفة تغذي مرحلة التحليق تلك وتمعن في تضليل صاحبها بإمكانية التحليق، إلا أنه في مرحلة الهبوط سيفتقد أدوات السلامة اللازمة وبالتالي فإن النهاية ستكون السقوط والفشل الذريع، وكل ذلك من أجل إشباع الذات المتوشحة بلباس (الأنا) البراق الذي لم يعد ساتراً حينما تتجلى الحقائق وتوضع الأمور في نصابها والعبرة في الخواتيم، المساحة الضبابية التي تنشأ بعد كل تحقيق كل إنجاز هي المحك، فهناك من يعبرها بثقة وسلام واطمئنان لأنه حكم العقل واتكأ على بعد النظر وهناك من يضل الطريق، ويحلق بأجنحة ناسياً أو متناسياً سلامة الوصول، فالمهم أن يعيش هذه الفترة مخدوعاً ببريق إنجازاته التي تهيئها له حالة التضخم تلك ليغوص فيها بدون قيمة تذكر سوى مرحلة التورم الوقتي والانتفاخات التي تشعره بأنه بات كبيراً وهي لا تعدو عن كونها بالونات لا تفتأ أن تتهاوى أمام أول اختبار واقعي على الأرض، التعامل مع قياس المشاعر وضبطها يختلف من شخص لآخر، فهناك من يستطيع احتواء هذه الأحاسيس وترويضها لصالحه، وهناك من تسقطه احاسيسه لأنها استطاعت الإفلات من الرقابة الذاتية وأمعنت في صده عن استعمال عقله،، إن التعاطي الجاد وتكريس صفة التواضع ونبذ التمييز بكل صنوفه وأشكاله هو الطريق الذي يتوجب تمريره من خلال الوسائل المختلفة معززا بالعلم والمعرفة والأدب الجم وضرب الأمثلة على ذلك وكيف أن العظماء تجدهم أكثر الناس تواضعاً بل تجده كلما ارتفع منصبه وعلا شأنه كلما ازداد تواضعا وقربا من الناس ومحبتهم له ورعاً وخوفاً وخشية من ان يتسلل العجب في غفلة الى قلبه، شغله الشاغل التيسير على العباد ومعاونتهم وقضاء مصالحهم في اريحية تعكس ما يتصف به من دماثة الخلق وطيب المعشر فهل حان الوقت لضخ الثقة في شرايين المفاصل المؤثرة ليظلل الاحترام العطاء المعرفي بأبعاده التي تستشرف بناء العقول وتهيئتها فكرياً ومعنوياً.. قال الشاعر: سقط الثقيل من السفينة في الدجى فبكى عليه رفاقه وترحموا حتى إذا طلع الصباح أتت به نحو السفينة موجة تتقدم قالت خذوه كما أتاني سالماً لم ابتلعه لأنه لا يهضم