كانت لي تجربتان مع حليب الخلفات.. الأولى في مزرعة صديق عزيز يعرف أنني لا أرد له طلباً مهما كان.. فناولني طاسة مملؤة بحليبٍ.. يعلوه زَبَدٌ ناصع البياض.. حُلب للتو من ضرع ناقة أصيلة من نوع المغاتير (دافي ويتنابط) قائلاً: سَمِ بالله واشرب.. فشربته بلا تردد.. وقلت في نفسي بعد تذوقه وشربه: إن محبي حليب الخلفات لا يُلامون.. حتى لو كان الثمن إصابة بحمى مالطية.. لجمال ولذة الطعم وتميزه.. وتجربتي الثانية مع ذلك الحليب العجيب هي عندما أحضرته من سوق مركزي كبير مبستراً في عبوات جميلة.. فلما طعمته منتظراً الطعم الأول اللي (يخبل) لم أجده.. ولم أستطع التفريق بينه وبين طعم أي حليب آخر.. وأذكر انني بعد تجربتي الأولى لم أُصب بفضل الله بالحمى المالطية.. لأن المغاتير كما قال صاحب المزرعة مطعمة وتخضع لإشراف وعناية طبيب.. بيطري سوداني أريب.. واضطررت فقط بعد شرب حليب المغاتير إلى زيارة الحمام بضع مرات.. كما صور ذلك الفنان المبدع ناصر القصبي.. والسبب طرد ما كان في بطني من (غش) آنذاك.. ماعلينا.. وثمة حقيقة علمية يغفل عنها الكثير من محبي حليب النياق.. ويزيدها منظر الحليب المحلوب للتو من ضرع الناقة.. والذي يُغري من يراه بالشُرب.. كما حدث لي وحليب المغاتير.. والحقيقة العلمية هي الاحتمال الكبير لوجود بكتيريا الحمى المالطية في الحليب غير المبستر أو المغلي.. لقتل جرثومة الحمى المالطية الخطيرة إن وجدت.. وعذر محبي تناول الحليب من ضرع الناقة مباشرة هو أن الغلي والبسترة يُفقد الحليب طعمه اللذيذ والمميز.. ومرض الحمى المالطية أصبح (لاشعورياً لدي) ملازماً لكلمة نياق ونوق وخلفات.. وجريدة "الرياض" لا تفتأ بين حين وآخر تُذكر وتُحذر من خطر وجود بائعين يجولون مع خلفاتهم.. لبيع الحليب بعد حلبه وتقديمه في بيئة وطاسات قذرة.. يقوم بها عمال لا يتمتعون بأي قدر من النظافة في أنفسهم وطياسهم التي يحلبون فيها.. وفي أحد التحقيقات ازدانت صفحة "الرياض" الاقتصادي ليوم السبت 18 رجب 1430 بتحقيق عن تنامي تجارة حليب الخلفات على قارعة الطريق في مدينة الرياض.. وأن الجرعة الملوثة ببكتيريا البروسيلا.. المسببة للحمى المالطية (بروسيلوسز) ب: 20 ريالا (يابلاش) وأنصح من لم يطلع على التحقيق بأن يشتري الجريدة ويقرأه.. وإن لم يجد الجريدة فليطلع عليه في النت.. ففيه الكثير من المعلومات العلمية القيمة التي تُفيد من يقرأها من عامة الناس وخاصتهم.. وبالأخص من محبي شرب حليب الخلفات من غير غلي وبسترة.. وطبياً باعة حليب النوق أو الخلفات أضافوا سبباً في علم الترصد الوبائي.. في طب الأسرة الوقائي.. أُكمله مع ما تبقى من حديث عن ميكروب البروسيلا في الطاسة.. في الأسبوع القادم.. فإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية