بقدر حُبي وإعجابي بالجمل (سفينة الصحراء) بقدر خوفي من رفيقة دربه الناقة.. فثمة هاجس أربطه عند رؤيتي للناقة.. بين حليب النياق أو الخلفات ومرض الحمى المالطية.. ورغم ما أسمعه عن حليب الخلفات من لذة وفائدة.. فإنني لم ولن أذوق طعمه قط.. إلا أن يأتيني (مُبسترا) وهي طريقة انتقدني احد الأصدقاء فيها.. فحلاوة حليب الخلفات أن يأتي (طازه) من ضرع الناقة مباشرة.. فتشربه من طاسة تقليدية تاركاً طبقة بيضاء من رغوته أو زبده على الشاربين والشفتين العليا والسفلى بما يُشبه الحلقة البيضاء على الفم عندما يُفتح وقبل مسحه.. وهو منظر ولا أروع ولا أجمل يعرفه عشاق الخلفات وحليبها.. وأنتقل إلى بعض الحديث العلمي مما أخافني من رفيقة الجمل الناقة أو الخلفة.. فهناك ستة أنواع من بكتيريا الحمى المالطية (بروسيلوسز) أشهرها وأوسعها انتشارا ثلاثة أنواع (بروسيلا ميلينسس.. بروسيلا سويس وبروسيلا أبورتس) وانتقال المرض ومكروبه يأتي من الحليب غير المبستر (رو ميلك) من حيوانات كثيرة.. يأتي في مقدمتها الماشية من أغنام أو شياه وماعز وجمال وجواميس.. وأثناء دراستي منذ سنين طويلة وفي مادة صحة المجتمع.. سمعت أن انواعاً من الجبن المحلي (خاصة من منطقة الطائف) يحوي مكروب الحمى المالطية.. وعند التقصي (الوبائي) عن سبب احتواء تلك الجبنة على بكتيريا الحمى المالطية تبين ان الحليب يأتي من أغنام لا يتم غلي حليبها وتفويحه (البستره) وتظل (معظم) حالات الحمى المالطية لدينا ولدى دول الخليج بسبب حليب الخلفات.. خاصة من يتلذذ بشربه (طازه) من ضرع الناقة.. أي ان الحمى المالطية (لدينا) وثيقة الصلة بحليب النوق.. وأحد الزملاء من محبي حليب الخلفات (لديه بالفعل عدد منها بين مغاتير وعمانيات) يعتني بها كثيراً.. قال لي في إحدى المرات وهو يدعوني لمشاركته في شرب حليبها لا تخف يادكتور فنياقي سليمة من أي مرض.. والطبيب البيطري يرعاها دائماً وقام بتطعيمها ضد المالطية التي تخاف منها.. فلا تحرم نفسك من لذة حليبها وفائدته الصحية.. وأشياء أخرى ستدعو لي وقبل بضعة أيام لم يستطع زميلي هذا الحضور للعمل بسبب ارتفاع في درجة حرارته وآلام في مفاصله.. وفي اليوم التالي أتى للعمل بعد الظهر وهو يحمل تقريراً من المستشفى الذي يعالج فيه.. تفحصت التقرير فإذا بها حمى مالطية.. والمكروب المسبب للحمى المالطية شبيه بالمكروب المسبب للدرن (انتراسيليولار) لذا يجب المعالجة بعدة أنواع من المضادات الحيوية (كالستريبتومايسين) في العضل لعدة أسابيع.. وهي مؤلمة كما قال لي زميلي محب حليب الخلفات العمانية والمغاتير الطازه عندما يحلبها ويُحضرها الراعي السوداني في طاسة ممتلئة يشع منها لون حليبها الأبيض الذي تعلوه الرغوة.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله.