وأُسدل الستار على المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" في نسخته السنوية التاسعة والعشرين، بنجاحٍ أكثر تميزاً وإبهاراً، وحضوراً وإقبالاً (بلغ عدد الزائرين نحو 11 مليون زائر) يُضاف إلى رصيدٍ غني وثري من النجاحات، تراكمَ على مدى العمر الزمني لهذه الفعالية الوطنية المهمة. لن أتحدث في هذا المقال والمقام عن مهرجان الجنادرية بصفة مباشرة. فقد كان لي معه مقالٌ قبل أيامٍ معدودة، وإن كان يستحق بالتأكيد الكثير من الكتابات والمقالات لتغطية جمالياته، وشذراته الوطنية والتراثية والفنية. في تقديري أنّ أجمل ما في مهرجان هذا العام، ذلك التكامل الوظيفي أداءً وممارسةً، وإشرافاً ومتابعة، بين وزارة الحرس الوطني (الجهة المُنظمة) والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، لجهة تقديم أفضل الخدمات الممكنة لتسهيل أمور الزائرين وسلامتهم، والتعامل بحكمة وروية وخبرة مع كافة الحشود التي تقاطرت إلى الجنادرية لإشباع رغبتها وحنينها إلى مشاهدة القرية التراثية، التي تحاكي البيئة السعودية القديمة، بمقتنياتها، ومعارضها، وأنشطتها، وعروضها المسرحية، ورقصاتها الشعبية، ومأكولاتها الشهية، وجلساتها الجميلة... الخ. لم يكن نجاح هذا الأداء التكاملي بين وزارة الحرس الوطني والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، مجرد صدفة، أو ضربة حظ، بلْه كان ثمرة جهودٍ مُضنية من العمل والتنسيق المشترك، لرعاية هذه الفعالية الحضارية، التي تجاوز صداها محيط الوطن إلى خارجه، لتظهر لوحاتها الفنية على أفضل وأجمل وأنصع صورة ممكنة. كانت مهام الهيئة في هذا المهرجان، وفي سواه، المحافظة على منهجها المؤسسي الوسطي في الاحتساب الذي يتبناه ويُنافح عنه معالي رئيس الهيئات، الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، فلا تشدُد، ولا تراخي، وإنما عملٌ متوازن يروم تحقيق رسالة الاحتساب، بالتَّماهي مع صيانة حقوق الناس وكرامتهم وخصوصياتهم، مُعضَّدة بشراكة مجتمعية واعية، تقطع الطريق أمام كل محاولات التحريض، والتشكيك، والتضليل، والتلبيس، تحت دعاوى الاحتساب والمناصحة!! وهي لا تعدو أن تكون دعاوى زائفة لا تستند إلى نصوصٍ وحيثيات شرعية وقانونية ونظامية حاكمة، تُحركها أقلية معزولة تسعى حثيثاً لفرض وصايتها الفكرية المُعوَّجة، وأجندتها المتشددة، على سواد المجتمع، والتشويش، وإثارة الفوضى، والبلبلة على عمل الهيئات. انتصار هذه الرؤية المتوازنة في العمل الاحتسابي، انتصارٌ للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، بأيقوناته الداعية للعدل والمحبة والسلام والأخوة. وهذا ما عبَّر عنه، وأكدَّ عليه، بكل شفافية معالي رئيس الهيئات، في أكثر من مناسبة، وأكثر من محفل. على كل حالٍ، ومآلٍ، نجح مهرجان الجنادرية، ونجحت معه جهود معالي رئيس الهيئات ورجاله في نشر ثقافة الاحتساب وفق قواعد جديدة أكثر كفاءة وحضوراً وفعالية، وأكثر مهنية وشفافية، لجهة التماهي مع منهج الوسطية والاعتدال، وفق قاعدة "الأمر بالمعروف بمعروف والنَّهي عن المنكر بلا منكر" وبما يتقاطع بالكلية مع أهداف رسالة الحِسْبة، وغاياتها النبيلة، ومهامها الشرعية المعتبرة. كلمة أخيرة: ذكرتُ أكثر من مرة بأنَّ جهاز الهيئات: جهازٌ مجتمعي مهم، ذو تماسٍ مباشر بجمهور المجتمع، ومن ثمَّ فهو أكثر أجهزة الدولة حاجةً للعمل المؤسسي، بعيداً عن كل الممارسات العشوائية غير المُنظمة، أو تلك الممارسات التي تسعى لتوجيه مسار الهيئات لخدمة أفكارٍ غير واعية، يرفض معتنقوها والمحرضون عليها الاعتراف بأنَّ الزمان لم يعُد زمانهم، ولا القرار قرارهم، ونقطة، ومن أول السطر. من أحاديث النبوة: "مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ".