ينفر العديد من الموظفين من "نقطة الصفر" التي يبدأ بها كثير من المسؤولين بعد تسلمهم مهمتهم الجديدة، ويحاولون مسح كل انجازات من قبلهم؛ كي لا يكون لهم الفضل في أي نجاح يليه، ولا يكون لهم أساس فيما عملوه، والمتضرر الأكبر من هذه "السياسة العقيمة" هم الموظفون، حيث يشعرون بإهدار الوقت والجهد، وحجم التكاليف والأموال والنفقات التي صُرفت على مشروعات تم البدء فيها، ولم تكتمل انتهاء مدة تكليف المدير السابق، بالإضافة للجهود التي بُذلت ليس من المدير السابق وحده، ولكن من فريق العمل في العصف، والتفكير، والتخطيط، والتنفيذ. ويرى كثير من الموظفين أنهم اعتادوا على ذلك، وتحديداً حين يفسحون الطريق للمسؤول الجديد ليضع بصمته وابداعاته قبل أن ترحل معه يوماً ما، مرجعين سبب ذلك السلوك إلى فقدان الثقة بالنفس لدى هؤلاء المديرين، موضحين أنه لو كانت لديهم الثقة الكافية في أنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم الإدارية والعملية اللازمة للعمل؛ لما شعروا بأي حرج في اكمال مسيرة من سبقوهم، والسعي لوضع بصماتهم العملية وتخليد ذكرى وأثر طيب خلال فترة تكليفهم. فقدوا ثقتهم في أنفسهم بحثاً عن رؤية لا تحقق إلاّ أهدافهم الشخصية رؤية جديدة وقالت "منى القحطاني" إنّ العمل المستمر الذي يقطعون فيه شوطاً طويلاً ويحاولون أن يبدعوا ويصنعوا كل جديد لا يكون له ثمرة أبداً؛ بسبب تغيير المديرة كل فترة، وغالباً كل عام، حيث إنّ الإدارة التي تعمل بها يكون مدة المدير عاما واحدا، وربما يعاود توكيل المهمة لها وتمديدها، لافتةً إلى أنّه في حال تعيين شخص آخر يحاول أن يبني رؤية عمل جديدة، وأن يبتكر أمورا أشبه ما تكون بإهدار الوقت ولا تتماشى مع طبيعة العمل؛ مما يشعرها وزميلاتها بأنّ جهدهن طيلة السنة الفائتة ذهب أدراج الرياح!. تغيّر الإدارة وأوضحت "ريم المرشد" أنّ "البدء من الصفر" والتأسيس شيء جميل جداً في إدارة جديدة ومستحدثة، مبيّنةً أنّها بدأت في تأسيس إدارة متكاملة مع رئيستها التي أمضت أكثر من ثلاث سنوات في هذا المجال، وعملتاا جاهدتين بوضع أسس قوية؛ كي يستمر عليها من سيأتي بعدهم من موظفات أو رئيسات، مشيرةً إلى أنّه بعد مرور عدة سنوات تولت زمام الأمور رئيسة أخرى حاولت أن تغيّر في الإدارة، لكنها عجزت، ليس لفشلها؛ وإنما لأساس الإدارة القوي، وربما حاولت في أمور أخطأت فيها، وقطعت مشواراً لتفرض رأياً فقط لا أكثر، ولم تستمع للموظفات اللاتي قطعن شوطاً طويلاً في المجال؛ مما جعلهن يتذمرن ونفرن من المكان. إثبات نفس وبيّنت "إيمان الدهيمي" أنّ بعض المدراء يعمد إلى ذلك لإثبات نفسه فقط، ويحاول أن يضغط على موظفيه، وإيهام من حوله بأن العمل تغيّر وتطور إلى الأفضل، مضيفةً: "مديرتي عمدت إلى استقطاب خبراء لتطوير العمل، على الرغم من أنّ هذا التطوير موجود، إلاّ أنّ البحث عن الظهور والتباهي هو ما يكون غالباً، خصوصاً إذا كان من قبلها جاد ومميز ويُثنى عليه، فتحاول أن تنتزع هذا الإطراء منه لها، لكن سرعان ما يتضح فشلها، سواء لموظفاتها أو من حولها". أسبقية حضور وأكّد "فهد الهليل" على أنّ بعض المديرين لا يعمد إلى هذا العمل بشكل مستمر، خصوصاً إذا كانت الإدارة قطعت شوطاً في الإنجاز؛ خوفاً من تغيّر نظام معين لا يرضي الجميع، فيؤدي إلى فشلها، ويسند هذا الفشل للمدير الجديد غالباً، موضحاً أنّ بعضهم يسيرون على ما سار عليه من قبلهم، ويحاولون استحداث شيء جديد خاص بهم؛ كي يكون هو الأسبق في فعله، وربما يكون عبئا على الموظفين، لكن يريد أن يضع بصمة في هذا المكان لا تنسى، خصوصاً إذا كانت بصمة ذات منفعة، فهي تستمر حتى وإن انتقل، لكن بعض المديرين يذهب وتذهب معه كل انجازاته؛ لأنّها غير هامة ولا يجدي العمل بها. المدير الواثق من إمكاناته لا يبدأ من الصفر لتطوير العمل أمر معتاد ونوّه "عبدالله العمري" إلى أنّ هذا الأسلوب اعتاد عليه الموظفون مع كل مدير جديد يتعيّن، فأصبح لديهم استعداد لمسح ما كان وإعادة تهيئة المكان من جديد لكل مدير جديد، مضيفاً: "لكل مدير مطالبته ونظرته، إلاّ أنّ بعض الأمور الأساسية التي تستند إلى أنظمة لا يمكن أن يغيرها أي مدير، مهما كلّف الأمر، لكن الأمور الإدارية والتطوير على قدم وساق ما أن ننتهي منها ومن العمل بها، إلاّ ويحدث لها تغيير"، موضحاً أنّ ذلك ربما حقداً على المدير السابق، أو محاولة لاثبات الذات، حتى يكون له صيت وسمعه في التغيير والتجديد. ضعف ثقة وقالت "أسماء شوقي الضبع" -مستشاره في التنمية البشرية-: "يعمد بعض المديرين عندما يتولون المنصب وتكليفهم إلى البدء من نقطة الصفر، وعدم اكمال مسيرة من قبلهم، ويرفضون العمل على تطويرها أو إكمال الناقص، واعتماد ما هو جيد منها"، مرجعة ذلك إلى ضعف الثقة بالنفس لدى هؤلاء المديرين فلو كانت لديهم الثقة الكافية في أنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم الإدارية والعملية اللازمة للعمل، لما شعروا بأي غضاضة في اكمال مسيرة من سبقوهم، حيث إنّهم يستطيعون بدورهم وضع بصماتهم وتخليد ذكرى وأثر طيب لهم ولفترة تكليفهم، وصنع انجازات ونجاحات مدعاة للفخر، بل ولأثنوا ومدحوا وأشادوا بمالهم من فضل وما تم تنفيذه سابقاً من أعمال وجهود ونجاحات. موظفة تدفع ثمن التغيرات الإدارية وسياسة البدء من الصفر وأضافت أنّ هذا العمل يؤثر سلباً على الموظفين، وعلى سير العمل فهو إهدار للوقت والتكاليف والأموال والنفقات التي تم إنفاقها على مشروعات تم البدء فيها، ولم تكتمل لإنتهاء مدة تكليف المدير السابق، بالإضافة لكل الجهود التي بذلت ليس من المدير السابق وحده، ولكن من كل فريق العمل في العصف، والتفكير، والتخطيط، والتنفيذ، إلى جانب الطاقة والحماس الذي يكون لدى فريق العمل لإنجاز مشروع ما، وربما يكونون قد قطعوا شوطاً كبيراً في اتجاه ما، فيأتي المدير الجديد ليهمل ذلك كله ويتجاهله ويتركه جانباً، وربما يمحوه تماماً، ويمشي في الاتجاه المعاكس، حتى لو كانت الجهود المبذولة سليمة ومدروسة ومناسبة وجيدة ومخططة، كل ذلك فقط ليثبت للآخرين: "لا أحد يفهم غيري". وأشارت إلى أنّ العكس صحيح، وهو المطلوب والمرجو والمنتظر منه، وذلك قد يجعل فريق العمل يتراجع عن حماسه وتبنيه للأفكار؛ ليقينه أنّه بتغير المدير سوف ينهدم كل ما تم بناؤه، وتضيع معه كل الجهود والأحلام والطموحات، وهذا أسوأ شيء يمكن أن نقدمه للموظف، معتبرةً ذلك مدمر للموظفين ذاتهم، من خلال أن يزرعوا البذرة ويراعوها، ويسهروا عليها، ثم يتم ردم أو قلع الثمرة قبل نضجها، ولايهتم بهم ولا بمشاعرهم ونفسياتهم وطاقاتهم، لمجرد مراعاة مصلحة شخصية، وأن لا يكون عمل المدير إمتداداً لما بدأه غيره. حلول مقترحة واقترحت "أسماء" توحيد السياسات، فالمنشأة ليست فردية، والعمل فيها جماعي، ومرتبط بالمنشأة وليس بالأفراد، وإلاّ لضاعت كل المنشآت بموت موظف، أو انتقاله، أو ترقيته، فلا ينبغي الركون لشخص أيا كانت مهاراته، فالأفراد زائلون بسرعة، وتبقى وراءهم المنشآت، مشددةً على ضرورة أن يسأل ويحاسب كل من يخالف السياسات ويشذ عنها، مشددةً على أنّ ذلك لا يتنافى مع إبداع المدير واطلاقه لقدراته ومقترحاته، ولكن بالتأكيد حتى هذه الابداعات والأفكار ستكون مقننة وبما يتناسب مع لوائح وسياسات المنشأة، إلى جانب أهمية تدوير الموظفين فيكون كل من بالقسم أو الوحدة ملماً ولو بدرجة ما بما يحدث مهما كانت مركزية المدير. وأضافت أنّ بعض الوظائف الأكاديمية ونظراً لإنشغالهم الشديد بالجوانب الأكاديمية والأبحاث، والبحث العلمي يتم اسناد المهام الادارية الى مديرة او نائبة معنية بالشؤون الادارية لضمان سيرها وعدم تعطلها ونظرا للتغيرات المتسارعة في مثل هذه المناصب، وضرورة المتابعة الحثيثة من الإدارة العليا لكل ما يدور بالعمل، ومراقبة سياسات وأساليب كل مدير، وتوجيهه إن لزم الأمر بإكمال مسيرة السابقين إن كانت مناسبة ومدروسة، وعدم تركه لهوى النفس أو للرقابة الذاتية. أبواب مفتوحة وشددت "أسماء" على أنّه من المهم أنّ يكون باب الإدارة العليا دائماً متاحاً ومفتوحاً لفريق العمل، أياً كان مستواه الإداري إذا رغب في المقابلة أو الشكوى أو الاقتراح، واتباع سياسة الأبواب المفتوحة التي ربما تكشف لك سياسة الأبواب المفتوحة الكثير من المخالفات الادارية والتجاوزات التي كانت تخفى عنك، منوهةً بأهمية أن يضع كل مدير خطته المستهدفة خلال فترة توليه المنصب وماسوف ينجزه؛ ليتثنى محاسبته عليها، ويحاسب كل مدير في جلسات شهرية أو ربع سنوية مثلاً، عن إنجازاته التي تمت بالفعل، ومقارنتها بما كان مخططاً، وأسباب انحراف الأداء، وعن أداء فريق العمل ورضاهم الوظيفي، مؤكّدةً على ضرورة حرص الادارة العليا على الاهتمام بكل الموظفين بكل مستوياتهم الادارية، والاعتراف بهم، وتحفيزهم، وتشجعيهم، واتباع أسلوب القدوة الحسنة. وأضافت أنّ على المديرين أن يعترفوا دائماً بجهود الآخرين من السابقين والحاليين مهما صغرت مستوياتهم الادارية، فالأفعال صوتها يعلو على الأقوال، وهذا هو الذي يرسخ هذه السياسة، ومن المعروف أنّ ترسيخ قيم العمل أهم وتسبق ترسيخ السياسات والأنظمة، وأن يتقي الله كل شخص تولى أمرا، ويتحمل كل منا أمانته ومسؤوليته بشجاعة ليترك أثراً طيباً، ويكون حاضراً بذكره الطيب بين فريق العمل دائماً، حتى بعدما يترك المنصب أفضل من أن يكون غائباً عن قلوبهم وعقولهم، حيث إنّ اعترافه بفضل من سبقوه أو آخرين من الزملاء الحاليين ليس ضعفاً أو خوفاً، بل يكون قمة الشجاعة والنُبل التي لا يقدر عليها إلاّ النفوس الراقية.