رحلت وتركت في داخلي حزناً كبيراً وفراغاً شاسعاً أحدثه الفراق.. رحلت بصمت.. بعد أن ذبُل قلبها من هذه الحياة البائسة. بموتها، استيقظت كل القلوب النائمة. يا الله، كيف أصبح هذا الشتاء باهتاً بارداً برحيل أمي، بعد أن كانت مصدري الوحيد للدفء. يا الله، قلبي أصبح فارغاً وموحشاً بفقدكِ يا أماه. بين تراتيل الغياب وعبر الأزقة والذكريات.. أحاول جاهدًا أن أخرج بحروفٍ تناسب الرحيل المُر لحبيبة قلبي وعطُر أيامي. لكن للأسف، من شدة الفقد رحلتْ حروفي أيضاً، تمنيتها تخفف عني لهيب الحزن لكنها رحلت بصمتٍ كالليل الطويل. أصبحتْ تحاكيني بنبرةٍ حزينة تقول لي: حروفي لا تسع أحزانك ابحث عن مخرجٍ يخفف عنك هذا الألم غيري!. همستُ لها: انتظري لعلك تجدين متسعاً هنا أو هناك.. أرجوكِ ابحثي بدقة، فأنتِ متنفس أحزاني. بدأت تبحث باهتمام عن مخرجٍ لهذا الأسى المتراكم في صدري. مددتُ يدي لها حتى احتضنت يدي وقالت: وجدت مكاناً مناسباً لأحزانك فأودع به ما شئت، وأومأت مشيرةً إلى الأوراق المتناثرة التي شتتها الحزن. احترتُ فيما أكتبه على هذه الأوراق الذابلة.. بماذا أبدأ..؟ أأشكو لها رحيل أمي.. وأهمس لها بأني أصبحتُ أول يتيمٍ بين أصدقائي؟! أم أشكو لها هذه الصدمة التي لم تكن في الحسبان. احتار قلمي وفكري، وقبل ذلك قلبي وكل منهم يسابق الآخر ليفصح عمّا بداخله. وضعتُ النقاط على الحروف قائلاً: نعم.. رحلتْ أمي العزيزة عن هذه الدنيا، ولكنها تركت أثراً جميلاً لمن يعرفها ولمن لا يعرفها؛ بسبب قلبها اللطيف وعملها في المجالات التطوعية؛ وتأسيسها لفريق رواحل التطوعي. إنها كانت تبني وتعمل للآخرة زاهدةً عن الدنيا الزائلة. رحمكِ الله أيتها الحبيبة، وأسكنك فسيح جناته. ويبقى عزاؤنا.. أنه مهما كان الحزن كبيراً والفقد موحشاً في قلوبنا.. إلا أن هناك بصيص أملٍ يتجلّى خلف الغيوم. إضافة ليقيننا بأن الله أكبر من كل أحزاننا، وألطف من كل القلوب المحيطة من حولنا وأنه إذا كبُر الخالق في قلوبنا صغُر كل شيء.