هذه العبارة أعلاه مجتزأة من خطاب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إبان زيارته الميمونة إلى اليابان حيث كان محتفى به في إحدى جامعاتها، وقد وفق أيما توفيق في عرض قضية التواصل الإسلامي مع الشعوب الأخرى وما يلاقيه من صعوبات معوقات دفع بعضاً منها في كلمته الضافية، فكانت عبارة تختصر الكثير مما كتب في هذا الجانب. فالمراقب لهذه التصورات الخاطئة يجد لها ارتدادات عنيفة في علاقاتنا الدولية حين تساهم بعض الدور الإعلامية العالمية في تشويه صورتنا في المحافل الدولية تحقيقاً لأغراض سياسية وأخرى دينية تهدف من خلالها إلى وضعنا موضع الدفاع عن النفس مما يستهلك الكثير من قدراتنا التي كان الأولى بها أن تصرف في ميادين أخرى، إنه استشعار من مسؤول في الدولة يدرك هذه الحقيقة ويقف عن قرب منها متحديا إياها قدر المستطاع وباذلا الجهد اللازم في دفع هذه الهجمات وكشف أباطيلهم. ومما يؤسف عرضه في هذا الشأن أن هذه التصورات الخاطئة يساهم في صنعها والترويج لها فئات من المجتمع تعزيز صورة هذه النمطية المزيفة، بل أصبحت أفعالهم مادة دسمة لتلك الدور تتخذها ذريعة لتحقيق ما ترمي إليه من هجمة شرسة على المملكة العربية السعودية، من دون الإشارة إلى أنها فئات تمثل أقلية منبوذة لا وزن لها في الشارع السعودي القائم على الوسطية وانتهاج التسامح الإنساني مع كل الأجناس تحتمه عقيدة هي في الأصل أرسلت رحمة للعالمين والتأكيد على التواصل مع البشرية الجمعاء بلغة هادئة وأسلوب أخلاقي في قمة العطاء والتضحية وابتغاء الخير للناس جميعاً، إنها منهجية الإسلام الخالدة، والتي انتشر بها الإسلام ووصل بها إلى آفاق بعيدة من مهبط الوحي، ما وصل إليها إلا من خلال تواصل إنساني رائع دخل قلوب كثير من الناس دون سفك قطرة دم واحدة، إنها المثل العليا والمناهج الرائدة التي غابت عن شبابنا، وتعلق مغرراً به - وياللأسف- بدعاوى الكراهية والبغض، والسعي في سفك الدماء دون هوادة أو رحمة وتعليق ذلك كله بأحكام ظنوا أن الإسلام دعا إليها وحض عليها متخذين بعض احكام الشريعة ذريعة لأهوائهم فأضلوا وضلوا عن سواء السبيل. إن هذه القوالب الجاهزة التي أشار إليها الخطاب لم تكن وليدة اللحظة الراهنة، وإنما هي تراكمات زرعت في الذهنية الغربية خاصة تمظهرت بمظاهر مختلفة وهي مظاهر وصور عززها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وهذه الأمور مردها دوافع مختلفة أحدها عداء ديني متقدم زماناً ومستحكم في نفوس القوم، والآخر أطماع استعمارية تحرك دولاً امبريالية بغية السيطرة على مقدرات الأمة، وبذل الجهود المختلفة وخلق الذرائع الواهية في الوصول إلى منابع الثروات. إن فكرة الإعلام المحايد تبدو فكرة ساذجة لكل متابع، وإن دعاوى حقوق الإنسان التي تستغل من قبل الدول الكبرى هي مثلها في هذا الأمر إنها شعارات ترفع بين الفينة والأخرى لتحقيق بعض الضغوط على بعض الدول العربية لابتزازها، وسلبها إرادتها السياسية الحرة. حقاً إنها قوالب جاهزة ومعدة مسبقاً متى أراد الغرب انتهاج خطة ما في زعزعة دولة ما، وإحداث نوع من الثقل العالمي والتشويه المتعمد للوصول لتحقيق بعض المكاسب، إنها انتهازية فجة، وأداة من أدوات الضغط الناعم التي تسعى إلى تفتيت الدولة وتهميش سلطتها الداخلية والخارجية. وهذه القوالب الجاهزة لا تكون مادتها من التكوين الغربي القديم عنا، بل إنها تكون تكويناً خاصاً من تصرفات سفيهة وطائشة من أبناء المسلمين، وهي تصرفات غير منضبطة بضوابط الشرع، ولا وازعات العقل، وإنما تنطلق من انفعالات خلقتها اللحظة الراهنة ثم نسبت زوراً وبهتاناً إلى الإسلام، استغلها المراقب من وراء البحار فجعلها مادة تعزز هذه القوالب الجاهزة لديه والمتحجرة في الذهنية الغربية، ولكن هذه المرة من قبلنا نحن، وبذلك تستعصي على الاختراق أو التغيير. هذه القوالب الجاهزة يمكن تفتيتها في الذهنية الغربية عبر عدة وسائل وهي في حد ذاتها سهلة ما لم تتأثر بمعززات من قبل تصرفات بعض المسلمين، والإعلام عليه مهمة كبيرة في هذا الجانب من جهة عرض الحقائق ودحض التزييف الحادث في بعض الدور الإعلامية من خلال عرض المنهج الوسطي الإسلامي والتبرؤ من مناهج العنف وإشاعة الكراهية التي يحاول البعض تسويقها في أذهان شبابنا فيرمون بهم في أتون حروب لا حظ لهم منها سوى أنهم وقودها، وفتيل نارها التي لا ينجو منها أحد، فيجرون الأسى لمجتمعاتهم والخراب لبلدانهم. من الوسائل النافعة والمؤثرة في هذا الأمر تواصل الزعماء والوزراء والسفراء مع نظرائهم في الدول الأخرى، لكشف الحقائق ولدعم التواصل الإنساني الذي يسعى إلى نشر قيم التسامح والدعوة بالتي هي أحسن، وما زيارة سمو ولي العهد إلا من هذا الباب. مرة أخرى أشيد بهذه العبارة، وأشيد بالرياض حيث أبرزتها في الواجهة، فهي بحق كاشفة لهذا الداء المانع من التواصل الحضاري والإنساني الذي يستوجب التعاطي مع هذه المشكلة الحضارية بعقلانية بعيداً عن روح التعصب وعنف التطرف من قبل الطرفين، إن الكلمة الطيبة حاسمة في مثل هذه الأمور وهي تفتح قلوباً غلفاً وأعينا عمياً وآذاناً صما، فأين نحن من قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) إنه منهج قرآني أصيل.