أمامنا عام لمواجهة تحقق الأهداف الإنمائية للألفية، ولازلنا نرزح تحت طائلة المعوقات والتحديات، المتشكلة في حزمة إجراءات ونظم مناهضة للمساواة والعدالة، تستند على إرث فقهي يسوّر حقوق الأنثى داخل الإرادة الذكورية، فلا تخرج عن مجاليْ المتعة والاستعباد، مكونة شكل ولاية دائمة تفرّع شبكة هدر إنساني تحت مسمى (ولي ومحرم وكفيل) بعد يومين يحضر (8 مارس) اليوم الدولي للمرأة، ونقلاً عن موقع هيئة الأممالمتحدة للمرأة، يعتبر هذا اليوم: يوماً للتأمل في التقدم المحرز، ويوماً للدعوة إلى التغيير والاحتفال بشجاعة عوام النساء اللاواتي اضطلعن بدور استثنائي في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن وما يبدينه من تصميم. وقد رصد الموقع لهذا الشأن إحصائية عن انتهاك حقوق المرأة تتمثل في الآتي: - ترتكب 50 % من حالات الاعتداء الجنسي في حق فتيات تحت سن السادسة عشرة. - تعيش 603 ملايين امرأة في العالم في بلدان لا تعتبر العنف المنزلي جريمة. - تفيد نسبة تصل إلى 70 % من النساء في العالم إلى تعرضهن لعنف جسدي أو جنسي في فترة ما من حياتهن. - تزويج 60 مليونا من الفتيات الصغيرات في العالم قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. ويؤكد موضوع هذا العام - "حق المساواة هو تقدم للجميع" - المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة وتمتعها بكامل حقوق الإنسان ويشدد على الدور الحيوي للمرأة بوصفها عاملا مهما من عوامل التنمية. يمثل اليوم الدولي للمرأة – مع اقتراب الموعد النهائي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2015 - فرصة لاستعراض التحديات والإنجازات التي تحققت في تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية في القضايا التي تخص المرأة والفتاة. وستناقش لجنة وضع المرأة هذه التحديات والانجازات في الفترة ما بين 10-21 مارس 2014. تحضر - درءاً للانتهاكات المدرجة - قيمة القوانين المنتظرة ( قانون التحرش الجنسي، وقانون تجريم زواج القاصرات، وقانون مكافحة العنف المنزلي) فالقوانين هي المدخل الملزم للتأسيس الحقوقي للإنسان.. لاشك بأن التأسيس الفكري للمبادئ الإنسانية يسبق الإجراءات والنظم والقوانين من حيث بداية التأصيل والتجذر، وإذا كان التغيير حاجة لا شك أن توجهه للتأسيس- رغم صعوبته - يمثل بوابة التغيير الحقيقية، فإذا ما أراد نظام ما التغيير في سبيل المساواة فسيلزمه البدء بإجراءات مناهضة للعنصرية كيما تهز بنية التغييب الحقوقي والانتهاكات، فيأتي التغيير متسقاً يتقدم وهو يهدم الأساس المناهض ليبني نقيضه، فيدفع باتجاه المساواة إلى مزيد من الأنسنة. أمامنا عام لمواجهة تحقق الأهداف الإنمائية للألفية، ولازلنا نرزح تحت طائلة المعوقات والتحديات، المتشكلة في حزمة إجراءات ونظم مناهضة للمساواة والعدالة، تستند على إرث فقهي يسوّر حقوق الأنثى داخل الإرادة الذكورية، فلا تخرج عن مجاليْ المتعة والاستعباد، مكونة شكل ولاية دائمة تفرّع شبكة هدر إنساني تحت مسمى (ولي ومحرم وكفيل) حتى باتت المرأة أشبه بالمعطل عقلاً وإدراكاً، وصار وجودها مشروطاً بحاجة ورضا وتدخل الذكر في تفاصيل التفاصيل لحياتها، وكُرِّس ذلك كثقافة ذهنية جمعية في حقول التربية والتعليم والقضاء.. وغيرها من المؤسسات المعتمة بالتراتبية والتمييز، الواقفة بحزمها وعزمها ضد المساواة.. لتتجاوز سلطة المذكر مسائل الجنس والنوع لتمتد إلى تقويم الأهلية العقلية والسياسية والمنزلة الاجتماعية، وعطفاً عليه حقوقها وواجباتها المادية والمعنوية.. لا يستوي قياس شجاعة الشجعان أمام تبعة الفكر المؤسس للقهر الأنثوي المستبد، فما يتبعه من إجراءات قاهرة تغلق الباب بقائمة تحديات نظامية إجرائية لاتملك المرأة أمامها إلا الانصياع، أو زرع حياتها بالشقاق والمغالبة، إذ ما تحمله من قوة تحررية للمواجهة محكومة بالفشل ابتداءً؛ كون الأمر يتعدى تحدي الثقافة إلى الاصطدام بنظام عضيد يعطل أي مسار إنساني يحرك الساكن ويزحزح الجامد، ما يحول دون الاندفاع الحر لكسر القيود وبلوغ الانعتاق.. ويضاف على مستوى بنية الفكر والنظام؛ أن المرأة عنصر يستشكل على التصنيف المستقر؛ فهي ناقصة بحكم قرار مجتمعي خاص بالنوع، لذلك هي كالطفل تابع لولي ذكر، لكن هذا الطفل يكبر فيفارق سن نقص الأهلية إلى كاملها، ثم يقلب الطاولة ويصبح كامل الولاية على والدته التي حملته وولدته في مفارقة وقحة تفارق حق الأمومة والاحترام والأدب والخلق والتربية والإنسانية والدين، فالمرأة مقارنة بأطفالها الذكور تعتبر كاملة الانتقاص زمانياً، أما في القصاص والجرائم الجنائية نجدها كاملة العقل والمسؤولية، لكن أغرب ما يلف ثقافتنا مع المرأة من غموض هو وجهها العورة المكفن بالسواد، فهو يمنحها حصانة في الأعمال الإرهابية، إذ يتسيد مفهوم (الوجه العورة) وإن هدد الأوطان والأرواح.. كما أنها مجرد عنصر مستخدم في التنظيمات الإرهابية، تؤدي دوراً محركاً لوجستياً ومهماً، يعود بنا ذلك إلى تذكر "اعتصام بريدة" واستخدام أرباب الفتن لها لتنفيذ أجنداته عندما استحل إخراجها من بيتها - وهي العورة- لمصالحه الإرهابية. تطالعنا الحياة بهذا الخبر "نظرت المحاكم السعودية في 25 قضية «تجمعات» و14 دعوة إلى «اعتصامات»، والمتهم الرئيس فيها سيدات خلال العام الماضي" وفيه يشير رئيس حملة السكينة في وزارة الشؤون الإسلامية عبدالمنعم المشوح إلى أن "المرأة عنصر مهم ومؤثر في أي حراك عملية سلبية «من تطرف وإرهاب أو مشاركات مُخالفة»، كون المرأة تحمل مُحركات لوجستية وحصانة مجتمعية، تخولها التأثير وتجعلها مهمة بالنسبة إلى الحراك الفكري والمجتمعي" لا يخفى كنه هذه الحصانة المكتسبة؛ وهو تغطية الهوية (الوجه) العورة. وفي خبر آخر يحمل إحصائيات لقضايا نسائية بعنوان "جرائم نسائية غريبة وأخرى عنيفة" تقرأ (6 قضايا تسببت في حوادث مرورية، 3 قضايا مطاردات، وقضيتا خطف)، وتتساءل: كيف ستطارد أو تخطف أو تتسبب في حوادث وهي لا تقود السيارة ؟!! سؤال جوابه مخبأ في عتمة العقول الناظرة في قضايانا الغامضة!! أما الإجراءات فمنها؛ ما هو مخفي تكتشفه على حين غرة، وما هو فاضح بالاستبداد؛ كتلك الرسائل النصية التي تبعثها مديرية الجوازات للأولياء"الذكور طبعاً" "حال مغادرة أو وصول أحد أفراد أسرته من النساء أو الأطفال"، تحت قائمة خدماتها المبشرة للذكور (أبشر). جميع ماسبق؛ سببه؛ تحويل الاختلاف الجنسي إلى تراتبية تلعب لصالح الهيمنة الذكورية، النوع الاجتماعي (الجندر) باعتباره علاقة سلطة، فسلطة الذكر الشمولية هي سلطة انتدابية أورثته إياها بنية تحتية هائلة من المعتقدات والتصورات القبلية رسختها ترسانة المسلمات الفقهية الفوارقية المتغلغلة داخل المنظومات المؤسّسة للبنيان الأبوي؛ دينياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه النتائج والأكلاف الباهظة لنوازع السيطرة العنفية المهيمنة والمستدامة تحكمت تاريخياً بالمذكر حيال المؤنث ولم تفلح الديانات التوحيدية والثورات الكبرى في زحزحة موروثاتها ومؤثراتها، ولا نجحت في تحرير المذكر منها لاسيما فيما رسمته من هوية المؤنث المطعونة بالفرعية والنقصان والدونية، ما سبب تردياً على مستوى الأحوال الشخصية والأوضاع الاجتماعية والسياسية، وتقييد حركة النساء وتغييبهن عن الحياة الجمعية، والإطاحة بحقوقهن كمواطنات مستقلات حرات ومؤهلات.. بالعودة لقيمة شعار يوم المرأة "حق المساواة هو تقدم للجميع" يتصدر مفهوم المثنى في بدئه؛ بدء النشأة والتكوين ومن ثم المسؤولية والحرية، لقد عنونت الكاتبة والناقدة خالدة سعيد كتابها" في البدء كان المثنى" مجمل الفكرة كعنوان في منتهى البلاغة، يطعن بمنظومة الهيمنة الواحدية ويرمي مسلّماتها بالشك والريبة، مستندة لوعي معرفي يستل حجته الدامغة من النص المؤسس "القرآن الكريم" لتقرئنا الآية الأولى من سورة النساء حديث المثنى يصرح بحقيقة النفس الواحدة التي نشأ منها مثنى الإنسان على سوية تكوينية وتكافؤ في الملكات العقلية (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها..) فالمثنى أو الزوجية هو البدء، استترت عليه التآويل والتفقهات المخترقة بمركوزات الذهنية الأسطورية والقبلية للرشاد الديني وموّهته بباطل الضلعية، ما لا دليل عليه في النص المصدري.. وكما ثنائية النشأة تؤكد تحررها من العنصرية تحضر قيمة التعارف الإنسانية مبنية على صحة النشأة "المثنى"(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..) "في البدء كان المثنى" عنوان مكثف بالدلالات والأبعاد يحيلنا إلى فقه فلسفي يقرّ بأن الاثنين أسبق من الواحد، وأن الواحد لا يسمى واحداً إلا لأنه ليس اثنين أو لأنه أحد اثنين" هذه الأسبقية انطلجياً وأبستملياً غير قابلة للنسخ" عن افتتاحية كتبها يوسف وهبة لمجلة فلسفة. يرى الناقد "يسري مقدم" كتاب خالدة سعيد "عنوانا مستفزا يشاكس الفكر الأحادي القائم على رؤية فردانية عنصرية تسفه غيرها ولا ترى إلا نفسها، سيان كانت ذكورية أم أنثوية، فلا الذكر كان المبتدأ ولا "الأنثى هي الأصل"، ففي الحالين ثمة إيغال مفرط لمفهوم نابذ لايخصب غير الصراع والانغلاق والتنافر والنقصان". عن هذا الهمّ والتوق والحدب ترجو "خالدة" "توبة الواحد المستفرد بجنس قسيمه إلى ألفة المثنى تزين سمو الشراكة في الفعل والتفكير والتدبير والتعبير بقرائن السوية والقدرة والفاعلية والجدارة الإنسانية، على قاعدة الاختلاف والخصوصية، بعيداً عن ترهات التفاضل والتراتب بما يحفظ للقسيمين شراكة باذخة أرحب وأبعد وأثرى" "وشرطه؛ أن يتوافر للمذكر نفسه تطور ثقافي وأخلاقي، فأمر ذاك من أمر هذا في التطور والتخلف والمعرفة والجهل والإنتاج والاستهلاك والعدالة والظلم، كلاهما مرتبط في المسعى الإنساني العام بشراكة الفعل والتفاعل، لا بثنائية الفاعلية والمفعولية. اختراق الصورة الرجالية للمرأة، وظل الرجل المرأة التي ترى فيها نفسها، تعيد البناء على قاعدة الشراكة لا الاستفراد، وتعود بنا للبدء حيث المثنى هو الأصل، وليس أجمل في موسم الكتاب من اقتناء (في البدء كان المثنى) للقسيمين؛ الرجل والمرأة.. مع تمنياتي بقراءة لذيذة بوعي حر.