رياح سياسيّة جديدة تلفح في وزارة الخارجيّة والمغتربين في لبنان، صحيح أنّ الوزير الجديد جبران باسيل ينتمي الى "التيار الوطنيّ الحرّ" المتحالف بورقة تفاهم مع "حزب الله"، لكنّ يبدو بأنّ وزير الطاقة والمياه السّابق قرّر انتهاج سياسة الأبواب المفتوحة مشرّعا القنوات الدبلوماسيّة للتواصل مع جميع الدول من دون استثناء بعيدا من الإصطفافات في محور دون آخر. تجلّى هذا الأمر في اللقاءات الدبلوماسية المكثّفة التي عقدها باسيل في أولى أيام تسلّمه للوزارة من خلال الصراحة التي بادر فيها الدبلوماسيون الأجانب والعرب معبّرا في خطابه عن موقف لبنان الذي لا يتمحور إلا وراء "الصيغة والميثاق" والذي "لن يكون مقرّا ولا مررّا لأحد"، والذي يعتمد سياسة "التحييد عن كل المشاكل المحيطة باستثناء القضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية العادلة". هي شعارات يرفعها باسيل ويقرنها بالفعل، وكان لافتا جدّا أنّه وفي أوّل يوم عمل له في الوزارة قام بالاتصال بالسفير السعودي علي عوّاض عسيري الموجود في الرياض منذ أشهر داعيا إياه للعودة الى بيروت. "الرياض" سألت الوزير باسيل أثناء دردشة صحافيّة معه في "قصر بسترس" عن سبب مبادرته فقال: "تناهى إليّ بأنّ السفير عسيري يمتنع عن العودة لأسباب خارجة عن إرادته، فاعتبرت انّ أوّل إشارة عليّ أن أقوم بها من ضمن مسؤولياتي الدبلوماسية هي الإتصال به ودعوته للعودة". أما السبب الثاني فكان إرسال إشارة واضحة بأنّ موقف لبنان هو بعيد من أية اصطفافات وصراعات موجودة في المنطقة، وأنه لا يتدخّل في أية محاور عربيّة عربية أو إقليمية. وأثنى باسيل على الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار وقال ل"الرياض": كلّ تقوية غير مشروطة للجيش اللبناني مرحّب بها، وهذا موضوع ينبغي أن يتضمّنه البيان الوزاري للحكومة، كما أنّ الهبة التي قدمتها المملكة هي سابقة ودعوة لأية جهة خارجيّة لكي تعمد الى دعم الجيش اللبناني بلا شروط مسبقة، ونحن كلبنانيين نقبل كل دعم مماثل، والمملكة مشكورة على مبادرتها التي شكّلت فاتحة عمليّة لاجتماع روما (في مارس المقبل) الذي سيتدارس في الخطّة الخماسية التي قدّمها الجيش اللبناني، وخصوصا لجهة التسليح من خارج الخزينة اللبنانية". أضاف باسيل:" كلّ هذه الجهود المبذولة لتقوية الجيش تصبّ ضمن هدف مكافحة الإرهاب وتمكين الدولة اللبنانية لتكون قادرة على تحمّل المسؤوليات الجمّة المنوطة بها من أجل حماية لبنان واستقراره، كما تشكّل بداية عمليّة لإستراتيجية دفاعية وطنية ينبغي أن تناقش بعمق وتطبّق عمليّا" وختم بقوله: "نقلت الهبة السعودية للجيش اللبناني الحديث عن التسلّح من النطاق النظري الى الواقع". من جهة ثانية، بدأ باسيل تحضير الملفات المتعلّقة باجتماع المجموعة الدولية من أجل لبنان في باريس في 5 آذار (مارس) القادم، ويعكف على تكوين "خليّة أزمات" في وزارة الخارجية لمتابعة الملفات الشائكة وفي مقدمتها خطف اللبنانيين عماد العنداري وكارلوس بو عزيز في نيجيرياواللبناني سمير كسّاب في سوريا، وكذلك اختطاف المطرانين يولس اليازجي ويوحنا ابراهيم والراهبات في معلولا، الى ملفّ النازحين السوريين الذي يشكّل عبئا غير مسبوق على لبنان والمجتمعات المضيفة.