في ظل الاستهلاك المتنامي للطاقة في المملكة الذي شهد معدلات مرتفعة في السنوات الأخيرة، تزيد عن النسب العالمية، تبذل الجهات المختصة في الدولة جهوداً كبيرة من أجل السيطرة على هذا الاستهلاك حيث تقوم هذه الجهات الحكومية بالتعاون والتنسيق مع القطاع الخاص بالمشاركة في إعداد البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة بشكل حثيث بهدف وضع برامج وآليات تستهدف الحد من سوء استهلاك الطاقة في المملكة في صوره المتعددة التي تشمل تعديل مواصفات الأجهزة الكهربائية المنزلية، وأجهزة الإضاءة، ومواد العزل، وكمية استهلاك وقود السيارات ومصانع الحديد والاسمنت والبتروكيماويات. وكانت أولى المهام التي نفذها البرنامج الوطني تتمثل في منع بيع أجهزة التكييف المخالفة للمواصفة السعودية رقم 2663/2007 الخاصة بأجهزة التكييف، حيث قام الفريق الفني المكون من الجهات المشاركة في إعداد البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة بالمركز السعودي لكفاءة الطاقة، المؤسس بقرار مجلس الوزراء رقم 363 وتاريخ 24 ذو القعدة 1431ه، بمراجعة المواصفة السعودية الخاصة بأجهزة التكييف واقتراح تعديل الحدود الدنيا لكفاءة الطاقة في هذه الأجهزة، حيث إن التكييف يستهلك حوالي 70 % من إجمالي استهلاك الكهرباء في المباني، وهو ما يعادل أكثر من ثلثي الطاقة الكهربائية المستهلكة في المملكة، خاصة أن المعايير القياسية لكفاءة الطاقة في أجهزة التكييف في المملكة قبل تعديلها تعد من أدنى المعايير المطبقة على مستوى دول العالم. وقد تم تعديل المواصفة استناداً على نظام الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وعلى نظام مكافحة الغش التجاري، ووفقاً لمعايير فنية متوافق عليها دولياً، ولإجراءات تراعي الظروف المحلية للقطاع الخاص، وعلى التوافق والإجماع بين جميع الأطراف المعنية حكومية كانت أو من القطاع الخاص وتحديداً المصنعين والموردين حيث تم الإعلان عن المواصفة المعدلة، والتذكير المتواصل بها، وبمواعيد تطبيقها قبل سبعة أشهر من التطبيق الالزامي على المنافذ الحدودية، وأحد عشر شهراً قبل الالزام بالمواصفة في الأسواق التجارية، ووفقاً لإجراءات مهنية أخذت في الاعتبار مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة . وتم في البداية عقد عدة اجتماعات تنسيقية مع كبار المصنعين والموردين، وفيها اقترح القطاع الخاص بأن يكون تطبيق المواصفة المحدثة مقسم على سنتين لأجل تمكين المصنعيين المحليين من إدخال التعديلات اللازمة على خطوط الإنتاج في المصانع المحلية، وكذلك تمكين الموردين من الوفاء بالتزماتهم التعاقدية، وتمت الموافقة على ذلك المقترح، وتم بعد ذلك التشاور والتوافق مع المصنعين والموردين في ورشة عمل موسعة على آليات التطبيق واجراءاته. بناءً على تلك الاجتماعات، اعتمد مجلس ادارة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، في اجتماعه رقم (141) وتاريخ 12/2/1434ه، تحديث المواصفة القياسية السعودية رقم 2663/2007 وتعديلها حسب مقترح البرنامج، وعلى إثر ذلك تم الإعلان عن المواصفة في جريدة أم القرى في 27 ربيع الأول 1434 ه. ومن أجل ضمان منح القطاع الخاص مرونة كافية تمكن المصنعين والموزعين من الوفاء بعقودهم والتزاماتهم السنوية فقد روعي في أن يكون التطبيق الالزامي بعد سبعة أشهر على المنافذ الحدودية، وبعد أحد عشر شهراً في الأسواق التجارية، وهو ما يضمن تغطية فترة الصيف التي تعتبر ذروة مبيعات القطاع الخاص، كما تم الأخذ في الاعتبار منح المصنعين المحليين فترة أطول لأجل تعديل خطوط الإنتاج المحلية، وتمكين الموردين كذلك من بناء مخزون من الأجهزة الجديدة. وخلال الفترة من1-3 ربيع الآخر 1434ه تم عقد المؤتمر والمعرض السعودي للتدفئة والتهوية وتكييف الهواء بحضور العديد من أصحاب المعالي الوزراء في الجهات ذات العلاقة، حيث تضمنت بعض الكلمات التي القيت خلال المؤتمر الاشارة الى المواصفة القياسية المحدثة، كما تم في اليوم الأخير للمؤتمر عقد اجتماع مع كبار المصنعين والموردين حول آلية تطبيق المواصفة المعدلة . منح مهلة أو إرجاء تطبيق تنفيذ مواصفة أجهزة التكييف المعدلة كالمكافأة للمتهاونين وتلا هذا المؤتمر عقد حلقة نقاش موسعة مع المصنعين والموردين والموزعين في 27 جمادى الأول 1434ه لاعادة التذكير بآليات تطبيق المواصفة المعدلة لإعداد البرنامج البرنامج الوطني، بحضور ممثلي الجهات المعنية بالتطبيق وتشمل وزارة التجارة والصناعة، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، ومصلحة الجمارك، والمركز السعودي لكفاءة الطاقة، ولم يغفل المختصون في البرنامج الإعلان عن الجدول الزمني لتطبيق المواصفة المعدلة في ست صحف ورقية رئيسية في الأسبوع السابق لعقد حلقة النقاش. من جهتها قامت وزارة التجارة والصناعة بإشعار مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية في خطاب رسمي بتاريخ 24/6/1434ه تؤكد فيه اعتماد تعديل المواصفة المعدلة، واعتماد تحديث لائحة بطاقة كفاءة استهلاك الطاقة للأجهزة الكهربائية، وتنوه بضرورة الالتزام بتطبيق المواصفة القياسية السعودية رقم (2663/2013)، كما قامت بإعادة التأكيد على مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية بتاريخ 26/12/1434ه للتعميم بشكل عاجل على الغرف التجارية بأهمية التأكيد على المستوردين والمصنعين للعمل وفق ذلك. كما تضمن التعميم التأكيد على أن وزارة التجارة والصناعة ستبدأ بمتابعة ومراقبة الأسواق ومنافذ البيع اعتباراً من تاريخ 29/2/1435 ه، للتثبت من التزام جميع المستوردين والمصنعين بتطبيق المواصفة المذكورة، وتبع هذا التعميم إعلانات متكررة نشرتها وزارة التجارة والصناعة في الصحف المحلية للتذكير بمواعيد التطبيق الالزامي للمواصفة المحدثة. في الأول من رمضان 1434ه، توقفت الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة عن إصدار شهادات المطابقة للأجهزة المستوردة الغير مطابقة للمواصفة المعدلة في خطوة أولى لتطبيق المواصفة، بهدف إعطاء فرصة عادلة للمصنعين المحليين لتجهيز خطوط الإنتاج لتتوافق مع متطلبات المواصفة القياسية المعدلة، وذلك حسب الجدول الزمني الذي تم التوافق عليه بين الجهات ذات العلاقة. وفي الأول من ذي القعدة 1434ه، بدأت مصلحة الجمارك ايقاف دخول الأجهزة المخالفة للمواصفة القياسية المحدثة على المنافذ الحدودية، كما قامت وزارة التجارة والصناعة (وكالة شؤون الصناعة) بالتأكد من التزام المصنعين المحليين بالالتزام بتطبيق المواصفة المحدثة. وفي تاريخ 29 صفر 1435ه بدأت وزارة التجارة والصناعة في تنفيذ حملاتها الرقابية على الأسواق للتأكد من مطابقة الأجهزة المتداولة للمواصفة القياسية المحدثة. وكنتيجة طبيعية لتضافر جهود الجهات ذات العلاقة، أسفرت جهود مصلحة الجمارك عن منع دخول أكثر من خمسة وخمسين ألف وسبعمائة وسبعة (55.707 ) جهاز تكييف حتى الآن إلى الأسواق المحلية، كما نجم عن جهود حملات وزارة التجارة والصناعة في الأسواق والمستودعات مصادرة أكثر من 50 ألف جهاز تكييف غير مطابقة للموصفات القياسية المحدثة، واستندت هذه الإجراءات بطبيعة الحال على نظام مكافحة الغش التجاري الذي يقضي بأن كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة يعتبر منتجاً مغشوشاً، و أن حيازة هذا المنتج أو عرضه أو بيعه أو انتاجه أو استيراده يعد مخالفة للنظام، ويترتب على اعتبار أن المنتج مغشوش إتلافه أو التصرّف فيه بأي طريقةٍ مُناسبةٍ، ومُصادرة الأدوات التي استُعملت في الغش أو الخداع (وفقاً للمواد الأولى والثانية والحادية والعشرين) . وفي مبادرة من البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة للتعاون مع شركات القطاع الخاص فقد قام بدعوة شركات التكييف إلى الإفصاح بشكل عاجل عن أي وحدات تكييف مخالفة للمواصفة المحدثة في مستودعاتها ومخازنها، وتحديد أنواعها وموديلاتها وكمياتها، حيث تم تقديم التسهيلات اللازمة من قبل الجهات المختصة لتمكينهم من إعادة تصدير الأجهزة المخالفة واستعادة الرسوم الجمركية قبل 25 ربيع الأول 1435ه، حيث خصصت الجمارك السعودية مسارات محددة في المنافذ الحدودية، لإعادة تصدير الوحدات المخالفة وتسريع إنهاء إجراءاتها وإعادة الرسوم المتحصلة عند الاستيراد، وبالفعل تمت عمليات إعادة تصدير من بينها 20 ألف وحدة تكييف للعراق، و 15 ألف وحدة تكييف عبر منفذ البطحاء . لقد شهد مشروع المواصفة منذ البداية - بفضل الله - استجابةً من أغلب الموزعين والمصنعيين المحليين، وعبّروا عن تأييدهم الكامل للقرار، والقيام بحملات تسويقية مكثّفة لبيع الأجهزة غير المطابقة قبل تطبيق قرار المنع بتخفيضاتٍ كبيرة في الأسعار، والعمل سريعاً على التخلّص مما تبقى لديهم، وفي المقابل، وجد هذا القرار ممانعة من فئة قليلة من التجار المستفيدين من الوضع السابق، دون مراعاةٍ لحقوق المستهلكين، نتيجةّ لما اعتاد عليه البعض من تمييعٍ مرفوضٍ للقرارت الحكومية الرسمية، ومحاولة خاطئة للقفز عليها، والقيام بحملات للتشويش على تطبيق القرار، طغى عليها الاستعطاف الخالي من المسؤولية تجاه مقدرات الوطن والمجتمع، كل ذلك لأجل تمديد أو تغيير إلزامية تطبيق المواصفة المحدّثة لأجهزة التكييف، وبطبيعة الحال فإنّ أي نوعٍ من التجاوب مع هذه المطالبات غير المسؤولة، سيتسبب في العديد من الإشكالات والسلبيات الكبيرة التي يمكن إيجازها في التالي: لا شك أن التجاوب مع الفئة المتراخية في تطبيق المواصفة يشكل غبناً وإجحافاً في حق كثير من المصنعين والمستوردين الذين التزموا، وأبدوا تجاوبهم التام لأنظمة الدولة، حيث استعدوا بشكل مبكر لهذه المرحلة منذ أن تم الإعلان عن تعديل المواصفة، وقاموا بحملات تسويقية مكثفة لبيع كثير من أجهزة التكييف بأسعار مخفضة جداً في فترة الصيف، مستشعرين أهمية الالتزام بأنظمة الدولة وتنفيذ قراراتها. - وبطبيعة الحال فإن منح مهلة او إرجاء تطبيق تنفيذ المواصفة المعدلة سيكون كالمكافأة للمتهاونين الذين على الرغم من علمهم بتطبيق المواصفة منذ فترة طويلة وكافية، إلا أنّهم أمعنوا في تجاهل كل التحذيرات والقرارات الحكومية الرسمية، وأندفعوا لاستيراد كمياتٍ من الأجهزة الرديئة، وبمعدلات كبيرة فاقت النسب السنوية المعتادة! كما تثبته الاحصائيات الواردة من مصلحة الجمارك. - إن تمديد الفترة سيؤدي إلى تسويق أجهزة التكييف المخالفة للمواصفة والرديئة على فئات المجتمع المحدودة الدخل، ما سيُشكل استغلالاً صارخاً لهذه الفئة لعدم إدراكها، أو علمها بحجم الضرر الاقتصادي المترتب على شراء تلك الأجهزة التي تستهلك طاقةً أكبر، وسيترتّب عليها دفع قيمةٍ أعلى لفواتير استهلاك الكهرباء، مستنزفة مواردهم المالية المحدودة، وهو ما لن يتم بإذنه تعالى، فضلاً عن المبالغ الهائلة التي سيتكبدها الاقتصاد الوطني جراء السماح ببيع وتداول مثل تلك الأجهزة الرديئة في الأسواق المحلية، حيث تستهلك هذه الأجهزة طاقة كهربائية أكبر وبالتالي تصاعد استهلاك الوقود اللازم من النفط والغاز لتوفير هذه الطاقة. كذلك فإن من شأن عدم الالتزام والتراخي في تطبيق المواصفة المحدثة لأجهزة التكييف، أن يلقي بآثار سلبية على بقية البرامج والنشاطات الأخرى التي يقوم بها البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة بشكل سلبي تتعثر بعده تلك النشاطات والمبادرات الوطنية التي تستهدف الحد من هدر الطاقة.