ليس الحنين إلى الماضي، ولا الرغبة في مشاهدة التراث وبيوت الطين هي التي تجعل مواطنين ومقيمين يهرعون إلى وسط العاصمة الرياض بين حين وآخر على الرغم من ضيق الشوارع وندرة المواقف والزحام الشديد. فبالرغم من تمدد العاصمة في اتجاهاتها الأربعة بشكل مهول خلال العقدين الأخيرين، إلا أن أماكن عتيقة في وسط الرياض مازالت جاذبة وبقوة للمتسوقين على الرغم من تعرضها لإهمال يشبه النسيان إلى حد كبير. ومنذ مراحل التأسيس للواجهة التجارية للعاصمة الرياض كانت أماكن بعينها تمثل معقلاً للحراك التجاري لكافة السلع والمستلزمات، وبقيت كذلك إلى يومنا هذا، لكنها زادت من ألقها، وشبابها من خلال احتفاظها بخصوصية الاحتفاظ بسلع يندر أن تجدها في أماكن أخرى غير تلك الأماكن، كما أنها تعتمد في الغالب أسعار البيع بالجملة، مما جعلها وجهة لبعض المتسوقين الراغبين في التوفير، كما يقصدها آخرون يبحثون عن سلع لطالما قال لهم من سألوه عنها: اذهب إلى وسط البلد لتجدها. في وسط البلد تبدو الصورة مذهلة حقاً، فهذا شارع السويلم الذي لا يتجاوز عرضه ال10 أمتار، يشهد صخباً كبيراً من عروض البيع والشراء والحركة التجارية التي لا تكاد تهدأ إلا حين يمضي الثلث الأول من الليل. الدكاكين العتيقة، والباعة المتمرسون، والزبائن الموغلون في البحث عن البضائع التي لا يرونها إلا في هذا الشارع العريق. لكن سوق الزل القريب يفوح برائحة طيب العود، وتتزين دكاكينه العتيقة بالمشالح المعلقة والسيوف، فيما شارع الثميري هو الآخر يزداد ألقاً وكأنه لا يشيب. قد لا تبدو الحكاية حكاية تخطيط عمراني، ولا حكاية تسويق، لكنها فيما يبدو ترضخ لعامل بناء السمعة وترسخ أسماء تلك الأماكن في أذهان المتسوقين لعقود، مما جعلها مرجعاً لأولئك المتسوقين حينما يبحثون في أطراف المدينة عن سلعة ولا يجدونها. ترى إلى أي حد تلعب السمعة التي تراكمت لعقود في احتفاظ هذه الأسواق العتيقة بألقها وبريقها، وما جدوى أن يكون هناك تجمع تجاري مركزي كسوق وسط البلد من الناحية الاقتصادية ؟ يرى الدكتور محمد العوض-أستاذ التسويق- أن وجود تجمع تجاري بحد ذاته هو أمر جيد في أحد ذاته، وقال: أن يكون هناك تجمع للمكتبات في شارع العطايف، أو العاب الأطفال في شارع السويلم، أو التراثيات والمشالح وغيرها في سوق الزل، كل هذه التجمعات تجارياً هي مقبولة، وجيدة، وبين العوض أن تجمع الكيانات التجارية في مكان ما يعطي قيمة حقيقية من الناحية الاقتصادية، وذكر العوض أن ارتباط المستلزمات التراثية بوسط البلد وبالأماكن القديمة يضيف لتلك المستلزمات قيمة بحكم طبيعة المكان وتاريخه. وطالب العوض بأن تهتم الجهات المعنية بتلك الأسواق العتيقة النشطة التي تعد مرجعاً مهماً للمتسوقين ولتجار التجزئة، مبيناً أن ضيق الشوارع وعدم وجود مواقف وخدمات بتلك الأسواق يضعف موقف تلك الأسواق التي تعد اليوم هي سوق الجملة في المملكة. وأكد أن هناك خوفاً من تجار الجملة من الخروج من تلك الأسواق وتكوين تكتلات تجارية جديدة في أماكن أخرى، ويكمن هذا الخوف من انفراط عقد هذا التجمع التجاري الذي يعطي تلك الأماكن حيويتها من الناحية التجارية اليوم.