لا شك في انه ليس الغرض من الثقافة استخدامها في أحاديثنا اليومية مع بعضنا البعض أو في الكتابة إلى الصحف والمجلات وغير ذلك من وسائل الإعلام . وإذا كنا نحن نفعل ذلك فنحن إنما نفعله ليسهل تداول الثقافة بيننا .. وعلى هذا الأساس تكون أحاديثنا وكتاباتنا وسيلتين لانتشارها وبهاتين الوسيلتين يمكن تحقيق الهدف الأساسي للثقافة ذلك الهدف الذي يتلخص في أن تكون لنا ملامح ثقافية ومعنى ذلك أن نكون أوعية للثقافة نختزنها ونصدرها للآخرين فحسب بل لابد لنا أن نتركها تؤثر فينا وتطبع سلوكنا ومعاملاتنا .. ومن الملاحظ أنه كثيراً ما يقابل أحدنا من كان يظنه مثقفاً لأنه يكتب أو يحاضر ثم يصاب بخيبة الأمل عندما يجده فظاً غليظ القلب لا تظهر في سلوكه تلك الملامح التي يتحدث عنها عندما يكتب أو يقرأ. فحن كأفراد في مجتمع لا نحكم على الشخص بأنه مثقف لمجرد أنه يحمل شهادة جامعية أو يتحدث إلينا بما لا نفهمه وإنما نحن تعتبر الفرد مثقفاً عندما يتصف بالتعاون وسعة الأفق واحترام آراء الآخرين وغير ذلك مما هو معروف وإذا كانت الثقافة ذاتية .. وإذا كان المفروض أن يثقف كل واحد منا نفسه طوال حياته. وإذا كان من البديهي أيضا أن يلاحظ أثر الثقافة عليه في سلوكه ومعاملاته. فإن هذه الفكرة ليست إلا دعوة لنا لكي يتأمل كل واحد منا حقيقة نفسه مستنيراً بنظرة الآخرين إليه فإذا أظهر له هذا التأمل أنه مثقف حقيقة حمد الله على هذا الواقع الجميل وعمل على استمراره في هذا الاتجاه. وإن ظهر أنه ليس أكثر من وعاء للثقافة توجب عليه ان يعمل على التأثر بها لتظهر في أدائه لواجباته وتعامله مع الآخرين ولا ريب في أنه لو حرص كل واحد منا على القيام بما سبق فإننا جميعاً نحقق بذلك الهدف الأساسي للثقافة؛ ذلك الهدف الذي يجعلنا نعمل في تعاون وانسجام وتوافق.