يقام حالياً في العاصمة البريطانية لندن وحتى 20 فبراير معرض بعنوان "صنع في المغرب"، ويعد هذا المعرض مغامرة من جاليري "الفنون المغربية الجميلة" لصاحبته نادية الشُّقُر إذ خالف كل توقعات الجمهور الإنجليزي التي تمارس باستمرار الضغط على صالات الفنون العربية لتقديم أعمال مثقلة بالهموم السياسية ومدججة بصور قبيحة تخلد فكرة ارتباط العالم العربي بالدمار. إلا أن المعرض جاء محملاً بلمسة دفء اكتسحت جوّ لندن البارد وبثت في الحضور حرارة شمس المغرب وجمال ألوانها وتراثها العريق، بل بثّت في الجالية العربية المغتربة روح الفخر بتراثهم العريق والتفاؤل بمستقبلهم القادم بإذن الله. يلقي "صنع في المغرب" الضوء على أعمال ثلاثة من مخضرمي الفن المغربي، الذين قطعوا مشواراً هاماً في تجربتهم الفنية استطاعوا من خلاله ابتكار أسلوب خاص وتوحدهم جذور فنهم الضاربة في أعماق الثقافة والتراث المغربي العريق برؤية معاصرة. فالفنان "سعيد قديد" يركز في أعماله على الطبيعة الصامتة والشخوص الإنسانية المجهولة، فيصور شخوصه من الخلف وهي منطلقة في الأفق مخلفة لدى المشاهد فضولا كبيرا لمعرفة ملامح هذه الشخصية. وكذا تبدو في أعماله مجسمات الطبيعة الصامتة من جرار فخارية شتتّ ملامحها بضربات الفرشاة والسكين المنطلقة بحركة عفوية في كل اتجاه. وقد عوّض عن الصمت البادي في لوحاته بحيوية حركة هذه الضربات وملامس اللون الكثيفة التي يرققها في بعض زوايا اللوحة لتبدو أصواتاً في حدّ ذاتها. أما الألوان فهي مغربية بامتياز إذ يركز قديد في مجموعته اللونية على ألوان الصحراء الدافئة من البنيّات والأصفر الممتزج بها، وحتى الأزرق الفيروزي الذي يجتاح بعض لوحاته يأتي بدرجات دافئة لا يتقن مزجها إلا من تشربت عيناه رؤية سماء المغرب وشواطئها المتلألئة تحت شمسها الدافئة. أما "حسّان بخاري" فهو مغرق في الواقعية، لكنها واقعية حالمة لا تخلو من لحظات غارقة في أحلام اليقظة، فهو مفتون برسم تفاصيل الأقمشة والألبسة المغربية التقليدية بكل ثناياها وزخارفها والتاريخ الذي يختبئ بين طياتها، لكنه في الوقت نفسه يضيف عليها أحياناً مربعات متحركة تظهر ما تحتها من أجزاء اللوحة باللونين الأبيض والأسود وما بينهما من رماديات، لتشبه بهذا أشعة إكس التي تكشف حواشي جسد الرداء وتحيله إلى كائن حيّ. وقد استغرق وصول بخاري لهذه المرحلة برهة من الزمن حيث ظل يداعب أشكاله بهذه المربعات برسمها على خلفية العمل دون أن تمس العنصر الأساسي في اللوحة حتى قدّمها لنا في هذا المعرض فوق الشكل الأساسي لتكشف عن وجه آخر منه. ويتوّج المعرض بأعمال المبدع "مصطفى أمنين" الذي جاءت أعماله كقصيدة غزل عربية وقف فيها الحرف على الأطلال وتعانقت فيها انحناءاتهما معاً. أعمال أمنين المغرقة في الرقة منفذة على سطوح خشبية خشنة لكنها لم تعترض سلاسة اللون وعنفوان حركة الحرف في أعماله. إذ يوحد اللون الأبيض خلفية العمل مضفياً عليه لمسة نقاء ورقة ثم تعصف بالمنتصف مساحات من الألوان المائية المتداخلة والمتدرجة بين الأسود والبني مع لمسات من الأصفر النقي والأحمر أحياناً. ثم يضيف أمنين على هذا كله طبعات بارزة بطلاء أبيض لحرف القاف يكررها بأحجام متدرجة ويضيف عليها أحياناً كتابات حرة باليد لكنها غير مقروءة فتبقى سراً خاصاً بالفنان يختمه أحياناً ببصمة أصبعه المكبّرة وأحياناً أخرى بنقش العملة المعدنية في المغرب رامزاً بها لهويته. معرض "صنع في المغرب" هو رحلة في كلاسيكيات الفن العربي لا يملك الزائر إلا أن يهيم معه في ثنايا ذلك الفن الجميل الذي كمّله عرض مصنوعات يدوية مغربية في غاية الدقة والإتقان. لوحة «قفطان» للفنان «حسّان بخاري»، وسائط متعددة على كانفس، 120×100سم