أثناء تواجدي في أحد مؤتمرات الاستثمار والمال في نيويورك قبل أكثر من أسبوع توفرت لي فرصة الحديث مع ممثلي عدة شركات مالية وخبراء في المجال الاستثماري وكان محور نقاشنا عن الطرق الحديثة في إدارة الأصول التي تستخدمها بعض شركات الاستشارات المالية عن طريق الانترنت. كان جل حديثنا متعلقا بالبرنامج الذي نطوره في الشركة لهذا الغرض وكيف سيخدم المستثمر الأمريكي لإدارة حساباته الاستثمارية بشكل مجاني وبدون الاستعانة بمستشار مالي. أثناء النقاش أثار أحد الخبراء تساؤلا عن سبب عدم اهتمامنا باطلاق نفس الخدمة في السعودية فرددت مباشرة بأنه لا يوجد للسعوديين أي حسابات استثمارية ادخارية مشابهة مما اثار دهشة الخبير التي تبددت عندما ذكرت له أن العوائد الربوية على السندات تعتبر محرمة في الإسلام. ولكن بعد أن تركت المؤتمر بعدة أيام بدأت التفكير بعمق في هذه المسألة المهمة وكيف اضطر الفرد السعودي لابتكار حلول وطرق استثمارية متعددة خلال الفترة الماضية. كما نعلم جميعا فإن ثقافة الادخار الطاغية على المجتمع السعودي تنص على الاستثمار في العقار بشكل شبه كامل، فأول أمر ربانا عليه آباؤنا هو أن نشتري ارضا مع اول وظيفة لغرض الاستثمار. واستمر هذا السلوك معنا طوال حياتنا إلى درجة اننا اصبحنا نساهم ونستثمر في مخططات اراض بعيدة. الاستثمار المركز في العقار كما تعلمون هو السبب الرئيسي في تضخم اسعاره واستمرار ارتفاعه حاليا، فمازالت فرص الاستثمار المتوفرة للافراد محدودة جدا، فحتى سوق الأسهم مازال الافراد يعانون من منافسة المؤسسات المالية الشديدة على الشركات المطروحة للاكتتاب في سوق الطرح الأولي التي ينتهي تخصيصها ليكون ضئيلا جدا للافراد. اضافة إلى ذلك مازالت سندات الخزينة الحكومية متاحة فقط للبنوك ولم تقم المؤسسة حتى الآن بأي محاولة لجعلها متاحة لعامة المواطنين أو طرحها للاكتتاب العامل. هذا الأمر يجب الا يستمر على حاله فيجب على المؤسسات المالية الحكومية فتح المجال لتأسيس حسابات ادخارية استثمارية حقيقية يستفيد منها جميع أفراد المجتمع تساعد على بناء رفاهيته وأن تكون سندات الخزينة الحكومية المكون الأساسي فيها ولكن بعد تعديل وضعها لتكون اسلامية متوافقة مع الشريعة. تعديل السندات الحكومية إلى صكوك سيوفر موردا ادخاريا لأفراد المجتمع ويوفر سيولة اضافية لا نهاية لها للحكومة للقيام بالمشاريع التنموية التي يحتاجها البلد في كافة مناطقه المختلفة بدون أن يتم حكر التمويل على الميزانية السنوية الحالي. هذه الحسابات الادخارية التي تعتمد على الصكوك الحكومية لن يكتفي دورها فقط في بناء رفاهية المواطنين ولكن سيتجاوز ذلك بالتأثير على نواحٍ مختلفة في البلد، فعندما يعلم المواطن أن امواله الادخارية تنمو بشكل طردي مع التطور الاقتصادي للبلد واستقراره فسيكون هذا محفزا له للتركيز على البناء وليس الهدم. إضافة إلى ذلك، ستخف حدة الاستثمار في الأراضي والعقار عن حجمها الحالي مما يخفف الضغط على سوق العقار ويحد من عمليات المضارب المستمرة عليه. إضافة الى ذلك، فنمو هذه الحسابات الادخارية سيزيد من قوة اقتصادنا أمام أي انهيار اقتصادي محلي أو دولي، فتماما كم يحدث في فقاعات امريكا المستمرة، وجود حسابات الأدخار جعل من السهولة بناء قاعدة استثمارية في السوق تحميه من أي انهيار شبيه بانهيار 1928 حيث تشكل حسابات الادخار النسبة الكبرى من المستثمرين في الأسهم والتي تدار عن طريق مؤسسات مالية محترفة. أعتقد أن على مؤسساتنا المالية الحكومية دراسة المسألة بجدية وتحويل سندات الخزينة إلى صكوك اسلامية وطرحها للاكتتاب العام.