يمثل التوسع العمراني للمدن (من خلال تعدد وانتشار مرافقها الخدمية) هاجساً وتحديا للقائمين عليها في جميع المجالات، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمجال الخدمي، لتأثيره المباشر واليومي على حياة ساكنيها، فمدينة كالرياض والتي أصبحت مساحتها قرابة (1.782كم2) تزيد عن مساحة بعض الدول! كسنغافورة التي تبلغ مساحتها (693كم2) ومملكة البحرين (665كم2) وغيرها لا يتسع المجال لذكرها، الأمر الذي يعنى ان مساحتها أكبر من مساحة (22%) من دول العالم. وفي المقابل فإن عدد سكانها يقارب ستة ملايين نسمة، أي انه أكثر من عدد سكان (50%) من دول العالم، ككرواتيا (4.5 ملايين) وأرمينيا (3ملايين) وقطر (841 ألفا) وغيرها*. إن هذه الأرقام تعكس ما وصلت إليه الرياض خلال العقود القليلة الماضية من نهضة عمرانية ضخمة، تليق بعاصمة ذات مكانة سياسية واقتصادية، إلا أن ذلك يحتم على متخذي القرار سرعة وضع استراتيجيات واضحة ومحددة لإدارة المدينة، لتسهيل وتسريع الإجراءات، نظراً لاستمرار النمو الذي قد لا يمهلنا مستقبلاً على مراجعة الحسابات واتخاذ القرارات، لتأخرنا كثيراً في ذلك. وإن أول ما يجب اتخاذه من تدابير لإدارة مدينة كبيرة كالرياض، هو الاستفادة من التقسيمات الإدارية الأصغر حجما، والمتمثلة بالبلديات الفرعية، التي تحتوي على عدد من الأحياء السكنية، بما فيها من مرافق خدمية (كالطرق، والجسور، والأنفاق، وشبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات تصريف السيول، والحدائق، وغيرها) وتختص البلدية الفرعية عادة بنطاق جغرافي محدد، وبمستوى معين من الصلاحيات، والإمكانيات، وذلك رغبةً في تحقيق عدد من الأهداف والإيجابيات، من أبرزها: تقديم الخدمات بكفاءة أعلى، لقرب البلدية من مواقع العمل. سهولة تحديد الاحتياجات، لمحدودية أحجام شبكات الخدمات التابعة لكل بلدية على حدة. زيادة فاعلية أداء فرق الإشراف، وخصوصاً الميدانية، لتمكنها من المتابعة الدورية اللصيقة بمواقع العمل. التحسن المتوقع لأداء ومردود المشاريع، لمحدودية النطاق الجغرافي لمواقع العمل، وتوحيد مرجعية الإشراف والتنسيق. التوزيع الأمثل للاعتمادات المالية، بناءً على الحاجة وحجم العمل بنطاق كل بلدية. بيئة التنافس التي ستتولد نتيجة تسابق البلديات في تقديم الخدمات. ولضمان تفعيل ونجاح دور البلديات الفرعية، فلابد من تحديد مهامها، وطبيعة العلاقة بينها وبين الإدارات الفنية المتخصصة في الجهات، فالإدارات الفنية يمكن أن تقوم بمهام: - إعداد ومتابعة الميزانيات المالية، وتوزيعها حسب الأولوية. - تقييم الحالة العامة لشبكات الخدمات، والأعمال المطلوبة. - إعداد وطرح عقود العمل، ومتابعة إجراءاتها. - التأكد من تطبيق المواصفات الفنية الموحدة. - إعداد برامج العمل الزمنية. - الإشراف على تنفيذ الأعمال الرئيسية، والتي تنفذ حسب برامج زمنية. وفي المقابل تتولى البلديات الفرعية المهام المرتبطة بشكل مباشر بالجمهور، والأقل حاجة للإعداد والتجهيز المسبق، ومنها: - استقبال طلبات وشكاوى الجمهور. - تحديد الاحتياجات والمتطلبات الخدمية. - التأكد من تطبيق الأنظمة. - الإشراف على تنفيذ الأعمال الثانوية (التي تعتمد على العمل اليومي). - القيام بأعمال الطوارئ التي قد تحدث لشبكات الخدمات. ولضمان خلق بيئة منافسة بين البلديات، فقد يكون من المجدي قيام الأمانات بتخصيص جائزة سنوية لأفضل بلدية فرعية (ولا مانع من قيام الوزارة بعمل مماثل على مستوى الأمانات) وذلك من خلال معايير محددة وسهلة يمكن تطبيقها سنوياً للتقييم، منها: - نسبة المعاملات المنفذة. - متوسط عدد المشاريع المنجزة. - متوسط نسبة إنجاز المشاريع القائمة (عند حلول وقت التقييم) - مدى التزام العاملين. وسوف يؤدي التنافس بين الجهات للظفر بالجائزة، إلى تقديم خدمات أفضل، الأمر الذي سوف يصب في مصلحة المستفيدين. وفي الختام، وحتى لا أضع القارئ الكريم بعيداً عن الواقع، فإن عددا من الأمانات بادرت بهذا التوجه، وإن لم يتم الإسراع والإعلان عن ذلك، مما يعني أننا بدأنا نشهد التغيير المنشود حيال إدارة العمل البلدي. * حسب بيانات هيئة الأمم المتحدة