استبشر الجميع في مدن المملكة عامة بالميزانيات الضخمة التي رصدتها الدولة لمشاريع البنى التحتية كشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء وتصريف السيول وغيرها، حيث تمثل هذه الميزانيات دعماً لمتطلبات المواطنين من الخدمات الأساسية والتي تحتاج أيضاً لمزيد من الإنفاق قياساً بتوسع المدن وانتشارها الجغرافي، ولا تمثل مشاريع البنى التحتية تحدياً في بناء شبكاتها فحسب وإنما بالمحافظة على الخدمات المقدمة عند مستوى مرضى للمستفيدين، وذلك من خلال تخصيص عقود دائمة لأعمال التشغيل والصيانة وإعادة التأهيل.. ومما لاشك فيه بأن جميع الجهات الخدمية وعلى جميع مستوياتها تبذل قصارى جهدها في تنفيذ وتشغيل وصيانة شبكات الخدمات لضمان تقديم أفضل وأرقى مستوى خدمة لساكني المدينة وذلك حسب الامكانيات المتاحة لتلك الجهات، إلا أن مبدأ تقديم خدمة (مهما كانت أهميتها) على حساب ساكن المدينة ( من خلال تضرر مركبته وقد يصل ذلك إلى ضرر شخصي نتيجة عيوب الحفريات) وحساب خدمة أخرى خصوصاً عندما تكون الخدمة المتضررة تتبع جهة خدمية أخرى فإن ذلك غير مقبول تماماً.. فالجهات الخدمية تقوم بتمديد شبكات جديدة وتجديد القديمة ومعالجة عناصرها في حال تعطلها من خلال القيام بالحفر في جميع فئات الشوارع، السريعة منها والفرعية، بطريقة بعيدة كل البعد عن التنظيم والتحكم في إدارة مراحل تنفيذ الحفرية والتي تشمل، الحفر وتمديد الخدمة وإعادة إغلاق الحفرية، ومن ثم سفلتتها.. فقد أصبحت الحفريات السبب الرئيسي في التدهور السريع لشبكات الطرق - والتي تم تنفيذها بأعلى المواصفات وبمبالغ مالية باهظة جداً - نتيجة السلبيات المتكررة في تنفيذ الحفريات وذلك يعود لأسباب عدة من أهمها: - ضخامة حجم العمل المطلوب (كوضع طبيعي لأي خدمة ذات علاقة مباشرة بالحياة اليومية) مقارنة بفرق العمل المتوفرة. - عدم وجود برامج عمل زمنية محددة وواضحة. - محدودية امكانيات وتأهيل بعض أفراد جهاز الإشراف. - قلة أعداد المقاولين المؤهلين إدارياً وفنياً في هذا المجال. - وأخيراً عدم وجود آلية وامكانية لحصر مخالفات المقاولين غير المنضبطين. وهنا أتساءل من منا لم تتسبب حفرية بتعثره أو بإلحاق الضرر بمركبته، هو أو أحد عائلته؟ وفي أفضل الأحوال يمكن اعتبار الحفرية كعلامة توصيف لوجودها أمام المنزل أو مقر العمل دون عمل أو إغلاق لعدة أشهر، ومن غير المستغرب أن تجد حفرية تنفذ دون سفلتة حسب المواصفات الفنية ودون إعادة للعلامات الأرضية واللوحات الإرشادية والتحذيرية والأرصفة التي كانت موجودة قبل تنفيذ تلك الحفرية، مما يعني ان الأمر تحت رحمة المنفذ! فإن كان ممن لديه ضمير فسيتم إعادة جميع العناصر لما كانت عليه، وإلا سيبقى الوضع على ما هو عليه لحين معالجته من قبل الأمانات أو البلديات وهي الجهات المالكة والمعنية بتشغيل وصيانة شبكات طرق المدن، دون تعويض من الجهة الخدمية صاحبة الحفرية والخدمة. إن تحمل الأمانات المسؤولية المعنوية الكاملة لظاهرة سوء تنفيذ حفريات الخدمات وما ينتج عنها من سلبيات رغم أنها متضررة كسكان المدينة وشبكة الطرق شيء مؤسف، ففي جميع الحفريات تجد لوحة تحمل شعار الأمانة وهي ليست الجهة الخدمية صاحبة الحفرية! مما جعل العديد من المتضررين من هذه الظاهرة يصبون جام غضبهم على الأمانات (دون علم منهم) أن معظم العيوب الموجود في شبكة الطرق، ناتجة عن سوء تنفيذ الحفريات، ولست هنا مدافعاً عن القطاع البلدي، بل معترض على الغطاء الإعلامي الذي تستفيد منه الجهات الخدمية (المتسببة بالأضرار) والمتمثل في تحميل الإعلام للأمانات تبعات سوء تنفيذ الحفريات، مع عدم وجود أي صلاحيات نظامية أو مرجعية إدارية تساعدها بفرض العقوبات على المقاولين.. كما ان قيامها بمعالجة مواقع عيوب الحفريات (عند اليأس من عدم قيام الجهات الخدمية بذلك) ودون أي تعويض يمثل تشجيعاً بشكل - غير مباشر - للمقاولين غير الجادين في أداء أعمالهم. نعم ان تنفيذ الخدمات مطلب ملح نتيجة التوسع الدائم في مدننا من حيث المساحة والنشاط العمراني ولله الحمد، لكنه يجب أن يكون بشكل منظم وذلك من خلال قيام ذوي الخبرة والعلم في تلك الجهات بتطبيق أفكار وأطروحات لمعالجة هذه الظاهرة، ومنها (على سبيل المثال لا الحصر): - فصل عقود أعمال الحفريات، بحيث يتم تخصيص عقود لأعمال الحفر وإعادة إغلاق الحفرية والسفلتة، وعقود أخرى لتمديد الخدمة. - تجزئة عقود الخدمات على أكبر عدد ممكن من المقاولين، لعدم تمكين غير الملتزمين منهم من السيطرة على عقود كبيرة، وذلك يمكن الجهات من إيقافهم في حال كثرة الملاحظات لحين معالجتها دون أن يؤدي ذلك إلى تأخير تقديم الخدمة. وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل لجميع العاملين في القطاعات الخدمية، على ما يبذلونه من جهود في خدمة المجتمع.