لقد تفضَّل الله على بلادنا بنعمٍ عظيمةٍ، ومننٍ جسيمة، ومن الواجب علينا شكر الله عليها، وصيانتها، واحترامها، ومعرفة فضل الله علينا حيث أكرمنا بها، فقد جرى على آبائنا وأجدادنا، من قلَّةِ ذات اليد، والجوع، والخوف، مما هو ليس عنَّا ببعيد، فقد كانوا يتنقلون من بلدٍ إلى بلدٍ طلباً للقمة العيش، وفي قراءة التأريخ مزيدُ استبصار في ذلك، ولعل من يقرأ هذا المقال، يتذكر ما قاله الآباء والأجداد في ذلك، ويُذكِّر أبناءه، وإخوانه؛ ليستشعروا ما نحن فيه من رخاء، وأمنٍ، وبسط رزق. وإنَّ من المؤسف حقاً، والموجع للقلب صدقاً، أنْ تهانَ بواقي الأطعمة، بوضعها في حاوية القمامة -أجلَّكم الله- مما لا يرتضيه ذوو الألباب المستبصرة، فضلاً عن أهل الإسلام الذين كرَّمهم الله بهذا الدين، وحديثي إليكم عن فائض الأطعمة من الأسواق التجاريَّة، خصوصاً الكبرى منها، كالمتبقي من الفواكه، والخضار، والخبز، واللحوم، وغيرها، وكذلك المتبقي من أطعمة الزواجات، والمناسبات، والولائم، وفائض أطعمة المطاعم والمطابخ، وما أكثرها، والمتبقي من الأطعمة على نطاق الأسر، وأختصر مقالتي في أسئلةٍ متعددة، لعلَّها أنْ تجد آذاناً صاغية، وقلوباً حيَّة مستنيرة، وهمماً عالية، تعالجُ هذا الأمر المهم. أولاً: وجوب إكرام المتبقي من الأطعمة، وعدم جواز إهانته، فما يصلح منه للأكل، يحفظ ويؤكل فيما بعد، أو يعطى إلى الأسر المحتاجة، وما أكثرهم، فإن لم يكن صالحاً للأكل فيعطى للبهائم، والدواب، والطيور، ولا يرمى في حاوية القمامة. ثانياً: إنَّه يعتصر قلوبنا الألم، ونحن نرى المتبقي من الأطعمة، سواء من الأسواق التجاريَّة، أو من فائض أطعمة المناسبات، والزواجات، والولائم، والمطاعم والمطابخ، حينما نراها ترمى في حاويات القمامة، وكم شاهدتُّ وشاهد غيري تلك الصور من مخلَّفات الأطعمة التي تدلُّ على السرف والتبذير، والجحود لتلك النعمة التي أتت إلينا رغداً من كلِّ مكان. ثالثاً: إنني أتساءل هل نحن في حاجة إلى وعي بخطورة ذلك السرف والتبذير على مستوى الأفراد، وعلى مستوى المجتمع؟! ثم أين أولئك العقلاء من أعيان المجتمع الذين لهم كلمة مسموعة بين قومهم؛ لبيان خطورة هذه الظاهرة، ألا ينصحون؟! ألا يوجِّهون؟! رابعاً: أين دور أمانات المناطق، وبلديات المدن والمحافظات والمراكز، في إيجاد الحلول، وإلزام أصحاب الأسواق التجارية بها؟! خصوصاً الأسواق الكبرى، بأنْ يعطى ما يتبقى لديهم من الأطعمة كالفواكه والخضار واللحوم، مما لا يصلح للبيع، ولكن يصلح للأكل، بأنْ يعطى إلى المحتاجين، من الفقراء والمساكين، وما أكثرهم، لماذا لا تضع تلك الأمانات والبلديات الضوابط المناسبة في ذلك؟ وتُلزم بها أصحاب تلك الأسواق، وتراقب تطبيقهم لتلك الضوابط، والصرامة في ذلك، بدلاً من أنْ ترمى النعم في حاويات القمامة. خامساً: أين دور المؤسسات، والشركات التجاريَّة عن المساهمة في حفظ النعمة؟! يجب أنْ يكون لهم دوراً فاعلاً في ذلك. سادساً: أين دور التجَّار في حفظ النعمة، وأين مساهمتهم في وضع الحلول لظاهرة رمي فائض الأطعمة في حاويات القمامة؟ سابعاً: أين دور الإعلام بكافة أنواعه، عن التوعية المستمرة في وجوب حفظ النعمة، وإيصال الحلول المناسبة لملَّاك الأسواق التجارية، ولعموم المواطنين والمقيمين؟! نريد منهم نشر الوعي، وبذل المزيد للحد من هذه الظاهرة حتى تزول تماماً. ثامناً: لماذا لا يتم دعم الجمعيات الخيريَّة أكثر؟! لإيجاد مشاريع كبرى في جميع المناطق والمدن والمحافظات، لحفظ النعمة، وتوفير الكوادر المؤهلة في ذلك، وإنشاء مستودعاتٍ لحفظ النعمة أكثر مما هي عليه الآن، تستقبل فائض الأطعمة على مدار الساعة؛ ليسهل الوصول إليها في جميع الأوقات. تاسعاً: إنَّ الصور المخيفة المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، في التباهي بإقامة الولائم والموائد الكبيرة التي لا يؤكل عُشرها، ومن ثمَّ رمي تسعة أعشارها في حاويات القمامة، نذير خطرٍ، مؤذنٌ بحلول النقم، فيجب أنْ يُستدرك هذا الأمر، ويوضع له الحلول، وأنْ تُستنهض الهمم؛ للمحافظة على النعم وإكرامها، من قبل الجهات الحكوميَّة المختصَّة، ومن قبل الناس أنفسهم، فإنَّه إن استمر أولئك المبذرون على ما هم عليه، فقد تمَّ تعريض هذه النعم للزوال، ونخشى أنُ يُستبدل شبعنا، وأمننا إلى جوعٍ وخوف. ولم يصدق الشاعر عندما قال: لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة فليس يُنقصها التبذير والسرف لأن التبذير والسرف طريقٌ موصلٌ لزوال النعم، وحلول الخوف والنقم. ووصيتي للجميع بتقوى الله عزوجل، والوقوف على الكفاية في إعداد أطعمة الولائم والمناسبات، فإنَّ الزيادة على الكفاية سرف وتبذير، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). واللهَ أسأل أنْ يرزقنا شكر نعمه، وأنْ يحفظها من الزوال، وأنْ يجعل بلدنا بلداً آمناً مطمئناً، وأنْ يُصلح الراعي والرعيَّة، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.