يعد زواج "المسيار" صورة من صور الزواج التي تتم في الخفاء؛ نتيجة بعض الظروف الاجتماعية التي تحيط بأحد طرفي هذا الزواج، وحينما بدأ هذا النوع في الانتشار بدأ وكأن طرفي الزواج أكثر تفهماً لظروف بعضهما البعض وأنهما أكثر التزاماً بمبادئ وشروط عقد الزواج، وقد يعود ذلك لطبيعة البيئة الاجتماعية المحافظة التي نشأ وتربى فيها كلاً من الرجل والمرأة تحت مظلة عادات وتقاليد تعطي الزواج وبالتالي الزواج قيمة وأهمية أكبر من المعتاد مما هو عليه الحال في الوقت الراهن، إذ أن المهم هنا هو ستر المرأة بالزواج دون تخوف من افتضاح الأمر، أما الآن فقد أصبح زواج "المسيار" يشكل مصيدة لإيقاع أحد الطرفين بالآخر، لذا فإن أي شروط أو قيود يشترطها أحدهم قد تكون بمثابة حبر على ورق عقد الزواج، إذ أن الواقع هنا يؤكد على أن أياً من الطرفين غير ملزم بتنفيذ ما ورد ضمن تلك الشروط طالما أن الزواج تم في الخفاء. د. الزهراني: يرسخ العنوسة بين النساء ومصيره الفشل قبل أن يبدأ ويرى أحد المختصين في دراسة آثار هذا النوع من الزواج أن المساحة الزمنية لزواج "المسيار" تبدو ضيقة بكل مقدرات التفاؤل، موضحاً أن "طبوغرافيته" وعرة بكل المقاييس، ومع ذلك فإن البعض سيمضون فيه بلا حسبان؛ لما يبدو لهم عبرة من محاسن، أو بدافع الحاجة والاضطرار، مشيراً إلى أن هناك غالبية تسير في هذا الاتجاه بدوافع الاستمتاع والتهرب من متاعب الحياة الزوجية ومستلزماتها. المرأة تدفع الثمن أكثر من الرجل في زواج المسيار نزوة مؤقته وقالت "عبير صالح" :"كنت في حيرة من أمري نتيجة الاختفاء المفاجئ لزوجي، وذلك بعد مرور أقل من شهر من الزواج"، مضيفة أنه توقف تماماً عن الاتصال بها أو الرد على اتصالاتها الهاتفية دون إبداء أي أسباب لذلك، مشيرة إلى أنها تعرضت لمعاتبة ذويها لها وتحميلها مسؤولية الموافقة على ارتباطها به، إلى جانب طلبهم منها الرد على تساؤلاتهم الدائمة حول كيفية حدوث ذلك دون أي اعتبار منه للعهود والمواثيق المترتبة على هذا الرباط المقدس وما تم الاتفاق عليه من شروط أثناء كتابة عقد الزواج. وأضافت أنه على الرغم من كل ذلك إلا أنها ظلت في حالة انتظار دائم له غير مصدقة لما يحدث في ظل عدم إبدائه أي مبررات لتصرفاته تلك، موضحة أنها اكتشفت لاحقاً أن زواجه بها تم بدافع إشباع نزوة مؤقتة لا أكثر، إذ أن زوجته الأولى كانت في مرحلة ولادة، لافتة إلى أن ما مرت به من ظروف كانت أشبه بأزمة صادمة لها، خاصة أنها كانت صادقة مع نفسها ومعه ولم تهدف حينها إلا للظفر بوجود رجل يؤنس وحدتها ويشاركها جزء من حياته دون أن يترتب على ذلك تقصير معها من جانبه أو إخلال بواجبات الحياة الزوجية والأسرية الأخرى. وأشارت إلى أنها حرصت في تلك الفترة على البقاء مؤقتاً في بيتها المستأجر على أن يوفر لها فيما بعد سكن آخر وذلك حسب ما تمت كتابته من شروط في عقد الزواج، مضيفة أنه وافق حينها على ذلك دون أي اعتراض، مبينة أنه كان على ما يبدو مبيتاً النية على عدم الاستمرار في الزواج، وذلك بناءً على التصرفات السلبية التي بدت منه بعد مرور أقل من شهر على ارتباطه بها. الرجل يتولى استئجار الغرفة والمرأة تحضر مع السائق أو التاكسي رعاية دائمة ويبدو أن هذا هو واقع زواج "المسيار" وغيره من أنواع الزواج التي تتم بعلم أطراف دون أخرى، بهدف ضمان عدم وصول خبر الزواج إلى الزوجة الأولى أو ذويها، بيد أن ذلك قد لا يشكل أي أهمية لدى بعض الزوجات اللاتي يقبلن على هذا النوع من الزواج حيث النية مبيتة لديهن سلفاً نحو الأخذ بتلابيب الزوج إلى حيث الإعلان عن الزواج رغماً عنه، وهذا ما حدث مع "أبو عبدالله" عندما فوجئ بحمل زوجته المفاجئ بعد مرور ثلاثة أشهر من الزواج إذ بدأت حينها رحلة طويلة من المعاناة والمشكلات بينهما. وأرجع "أبو عبدالله" تلك المشكلات إلى عدم استعداده لتحمل أعباء وجود طفل وما يترتب على ذلك من التزامات ومسؤوليات لا تنسجم مع هذا النوع من الزواج، مبيناً أن الأطفال هنا يحتاجون للرعاية الدائمة وهو ما لم يتمكن من الوفاء به من جهة، إلى جانب أنه يرى أن في ذلك إخلالاً صريحاً بشروط الاتفاق المبرم بينه وبين زوجته، ليس في عقد الزواج وإنما بناءً على الاتفاق الصريح بينهما مشافهة على عدم الإنجاب حتى إشعار آخر. توثيق عقد زواج «المسيار» عبر لجان متخصصة يقطع الطريق أمام المتلاعبين وأضاف أن إقدام زوجته على خطوة الحمل كان نتيجة أنها أغرمت به وخشيت من فقدانه في أي لحظة يتسرب فيها الخبر إلى أم أولاده فيطلقها ويعود بالتالي لها، مشيراً إلى أنه رغم أنه ينعم حالياً بحياة زوجية سعيدة مع زوجته الثانية إلا أنه في حالة قلق دائم لخشيته من تسرب خبر الحمل إلى زوجته الأولى، لافتاً إلى أن حياته معها مهددة بالفشل في هذه الحالة. شهادة ميلاد ولفتت "أم مهند" إلى تجربة في هذا الصدد عاشتها إحدى قريباتها، موضحة أنها ارتبطت بزميل لها في العمل ووافقت على أن يكون هذا الزواج بشكل غير معلن، خاصة أن زوجته الأولى قريبة له، مضيفة أنها وافقت على ذلك مع تحفظها، مبينة أنها اتخذت قراراً بالحمل بعد مرور أشهر قليلة على الزواج، وعندما اكتشف الزوج الأمر استشاط غضباً وطلقها على الفور، لتتوجه إلى زوجته مباشرة وتخبرها بأمر الزواج منه، مشيرة إلى أن الزوج رفض الاعتراف بالطفل أو منحه شهادة ميلاد؛ فما كان منها إلا أن توجهت للمحكمة بشكوى ضده، مؤكدة على أن أوراق القضية لا تزال حبيسة أروقة المحكمة حتى الآن. تجارب فاشلة واعترف "أبو عبدالرحمن" أنه مر بعدة تجارب لزواج "مسيار" فاشلة اصطدم فيها كل مرة بواقع عدم قدرة الطرفين على الالتزام بشروط العقد، مؤكداً على أن كلاً من الزوج والزوجة يعرفان ضمناً أنهما مقبلين على تجربة يكتنفها العديد من المخاطر المحدقة بهما في حال تم الإخلال بالشروط المتفق عليها، مشيراً إلى أنه على الرغم من كل التفاهم والانسجام الذي يبدو عليه الطرفان والصورة الواضحة لما ستؤول إليه الأمور إلا أنه يحدث عادة ما لم يكن في الحسبان. وأضاف أنه كان يرتكب في كل مرة الخطأ نفسه، موضحاً أنه كان يوحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنه على استعداد لإعلان الزواج وما يترتب عليه مستقبلا في حال تحقق نموذج الحياة الزوجية المشبعة والمستقرة نفسياً، ومع ذلك فإنه كان يشعر أن شبح الحياة الزوجية الأولى يلاحقه وينغص حياته، إذ تبدأ حينها العديد من المشكلات التي تطال حتى أبناؤه عندما يبدأ بطرح فكرة الزواج بأخرى وتبدأ التهديدات بترك البيت والأبناء دون رعاية. سلوك دخيل واقترح "د. عبد الرحمن بن أحمد الزهراني" -عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى- طرح الحلول التي بإمكانها تفادي مخاطر زواج "المسيار"، والمشكلات الحاصلة جراء هذا السلوك الدخيل على أرقى العلاقات الأسرية، مؤكداً على أنه سينتج عن هذه الحلول تحقيق متطلبات ذوي الحالات الخاصة وقطع الطريق أمام المتلاعبين ببنية المجتمع وحياته الأسرية، داعياً إلى أن يتم تشكيل لجنة من الشؤون الاجتماعية والإمارة ووزارة العدل بحيث تحال إليها العقود المتعلقة بهذا النوع من الزواج على أن ترفق بها استمارة تحمل بيانات الطرفين وتوقيعهم على الشروط والمحترزات. وأضاف أنه ينبغي أن تعد ورقة استبيان مع عقد الزواج يكون فيها اشتراطات ومحترزات لمن أراد الإقبال على هذا النوع من الزواج، سواءً بدافع الحاجة أو غير ذلك، على أن يتم إيضاح المصالح المتوخاة من هذا الزواج، إلى جانب المفاسد المتوقعة منه؛ وذلك لكي يدخل المتزوج وهو ملم بكل ما قد يحصل له من المفاجآت في مستقبل حياته الزوجية، وكذلك بيان الإلزامات التسلسلية التي قد تفرض نفسها على كل من الطرفين في المستقبل كالمرض والفقر والسفر الطويل والإدانات والمحكوميات والإنجاب والموت والإرث- وأخذ توقيع كل واحد من الطرفين فيما يجب له أو علية حتى يكون على علم، وهل يقبل أو يرفض. يرسخ العنوسة وتساءل "د. الزهراني" في طرحه العلمي عن مدى المساحة الزمنية لزواج "المسيار"، وعن محيطه؟، وذلك قبل أن تستعصي الروابط الاجتماعية، موضحاً أن المساحة الزمنية لزواج "المسيار" تبدو ضيقة بكل مقدرات التفاؤل، موضحاً أن "طبوغرافيته" وعرة بكل المقاييس، إلا أن الناس ستمضي في هذا الأمر بلا حسبان؛ لما يبدو للبعض من المحاسن، أو بدافع الحاجة والاضطرار، مشيراً إلى أن هناك غالبية تسير في هذا الاتجاه بدوافع الاستمتاع والتهرب من متاعب الحياة الزوجية ومستلزماتها، إذ لا مفر من هذا الواقع. وأكد أنه لا بد من حلول ولو جزئية تضمن للمجتمع المصالح المرجوة من هذا الزواج وتدفع بعض المفاسد المتوقعة منه، موضحاً أن زواج "المسيار" كظاهرة اجتماعية هو بمثابة مصل وقائي يتطلبه المجتمع لعلاج مشكلات محدودة، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام بمثابة ظاهرة صحية يتبجح بها المجتمع، لافتاً إلى أن زواج "المسيار" لا يعالج العنوسة، وإنما يرسخ العنوسة ويزيد في مساحتها ويقطع الطريق أمام حلها ويضفي عليها صبغات معتمة غير قابل للإزالة، مبيناً أن هذه الصورة من صور النكاح ليست هي الصورة المثلى المطلوبة، ولكنها تبقى مقبولة في بعض الحالات من أصحاب الظروف الخاصة.