تجيء هذه المقالة بمناسبة مرور عام على عضوية المرأة السعودية في مجلس الشورى، وتنبع فكرتها من أن معالي أمين عام المجلس، وكما هي عادته في مبتدأ كل جلسة يتلو بياناً مفصلاً يتضمن إلى جانب ذكر الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال أسماء بعض الأعضاء المتغيبين عن الجلسة، وما إذا كان غيابهم لأسباب مَرَضية أو المشاركة في مهام رسمية أو مشاركة علمية، أو لظروف الإجازة أو الاعتذار لأسباب شخصية، وهو بيان روتيني مألوف اعتاد الأعضاء الحاضرون على سماعه في مبتدأ جلسات المجلس على مدى عشرين عاماً. إلا أننا في إحدى جلسات هذا العام فوجئنا بصوت معالي الأمين العام معلناً أسماء الزملاء المجازين في تلك الجلسة، وبينهم زميلة إجازتها: إجازة أمومة، فشعرت شخصياً، وربما شعر كثيرون غيري في المجلس بعظمة المرأة، وبأهميتها، وأهمية قرار مشاركتها عضواً في المجلس، تلك المشاركة التي لم تُنْسِها دورها ليس بوصفها أمًّا ومصنعاً للرجال وحسب، وإنما بوصفها المنبع الحقيقي لبقاء البشرية جمعاء على كوكب الأرض. فمنذ الأزل والمرأة شريكة للرجل في الرعي والزراعة وجلب الماء والحطب وحصاد الثمار وبناء المأوى ومختلف مناحي الحياة، وفوق ذلك فهي وحدها تتحمل مشاق الحمل، والإنجاب والرضاعة وإلى حد كبير أعباء التربية والتنشئة في أغلب بواكير المراحل العمرية للأبناء والبنات. وحينما أتيحت فرص التعليم والتأهيل للمرأة السعودية برّزَت فيهما بروزا لا يقل عن بروز الرجل إن لم تتفوق عليه؛ فظهر منهن الشاعرات الملهمات، والكاتبات المبدعات، والطبيبات البارعات، والعالمات المبرزات في مختلف ميادين العلوم النظرية والتطبيقية. وفي المجال العلمي اقتحمن بجدارة واقتدار ما أتيح لهن من مختلف ميادينه سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص، وتقلّد بعضهن مناصب عليا في الدولة، ومنهن من حقق شهرة عالمية، وبروزًا على مستوى العالم. ومع ذلك لم تتخلّ المرأة عن دورها الطبيعي في عمارة الكون، وعن مكمن سعادتها الحقيقية في الإنجاب. وها هي اليوم وهي عضو في مجلس الشورى، وبين يديها كل هموم الوطن التي ترد إلى المجلس من تقارير حكومية، وأنظمة ولوائح مدنية وعسكرية، واتفاقات ومعاهدات دولية، وخلاف ذلك من أعباء اللجان الدائمة والفرعية، وما تقوم به من أدوار في العمل العام، وفي خدمة مجتمعها وجامعاتها وغيرها من الجهات التي تنتمي إليها أصلاً قبل انضمامها إلى مجلس الشورى، لم يشغلها ذلك كله عن الاضطلاع بدورها الطبيعي في الحمل والإنجاب. وهذا ما يحملني بعد مضي عام من تعيينها عضواً في المجلس على الإشادة بذلك القرار الحكيم الشجاع الذي اتخذه بحقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز(حفظه الله)، وعبَّرْتُ شخصيًّا عن أهميته فور صدوره في وسائل إعلام مختلفة مرئية ومسموعة ومقروءة؛ لأن مشاركتها في المجلس أمر طبيعي، وحق من حقوقها. والآن وبعد مرور سنة على تعيينها أرى أن وجود المرأة في المجلس أضاف إليه الشيء الكثير، حيث كنّ على مستوى عال من العلم والخبرة والقدرة في التعبير عن أفكارهن، ومعرفتهن بعمل المجلس، وبمهام أعضائه، كما لو كنّ قد أمضين فيه سنوات عديدة، وليس عاماً واحدًا. وقد ظلمهن الإعلام في بداية تعيينهن عضوات في المجلس حينما حصر اهتمامهن بشؤون المرأة وقيادتها للسيارة، ولكن الواقع يخالف ذلك، فقد أسهمن بكفاءة واقتدار في كل شأن من شؤون المجلس، وكنّ مبرّزات في مختلف الموضوعات التي ناقشها المجلس، بل منهن من برّز وتفوق على كثير منا نحن معشر الرجال فيما طرحن من أفكار ورؤى هي على جانب كبير من الأهمية.