كانت عبارة احمد الجربا في باريس قبل أيام مهمة في مضمونها وتوقيتها حيث أكد ان «أصدقاء سورية»، أي الدول الإحدى عشرة، اتفقوا بأن لا مستقبل للأسد في مستقبل سورية. وان الحل الوحيد للنزاع هو الانتقال السياسي، استناداً الى تطبيق جنيف طبعاً من المتوقع أن ينعقد مؤتمر جنيف2 غداً الأربعاء في مونترو السويسرية وإذا فعلا سارت الأمور على ما خطط لها في ظل ما نشهده من حراك سياسي وأجواء مفعمة بالأحداث والمواقف لكل الأطراف، فإنني اكاد ازعم ان لا أحد يعلم علم اليقين الى اين سوف تتجه الأمور في القادم من الايام. طبعا كان جيدا ان الائتلاف الوطني السوري المعارض حسم موقفه في اللحظات الأخيرة بالذهاب إلى "جنيف 2" لأرى انه من الضروري ان يشارك الائتلاف رغم الانقسامات والتوجهات، وبصرف النظر عما قيل عن تهديدات واشنطن ولندن له بإعادة النظر في دعمهما له إذا لم يشارك في المؤتمر، لأنه من المهم ان يسمع صوته للعالم ولكيلا يعطي للنظام شرعية او تحقيق مكاسب سياسية في غيابه مدعيا بأنه لا يجد من يحاوره. على ان ثمة سؤالا حارقا يطرح نفسه: هل ثمة نتائج حقيقية سيخرج بها هذا المؤتمر في حالة انعقاده طبعا؟! مجمل القصة اننا امام موقفين متناقضين بشكل حاد وسافر، ما يشير الى انه من الاستحالة بمكان ان يلتقيا في نقطة توافق وبالتالي فإن المحصلة ستكون صفرية. لقد كانت عبارة احمد الجربا في باريس قبل أيام مهمة في مضمونها وتوقيتها حيث أكد ان "أصدقاء سورية"، أي الدول الإحدى عشرة، اتفقوا بأن لا مستقبل للأسد في مستقبل سورية. وان الحل الوحيد للنزاع هو الانتقال السياسي، استناداً الى تطبيق جنيف1. وبالمقابل قال رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، إن "الحكومة السورية ستذهب إلى جنيف في حال عقد المؤتمر في 22 يناير، وهي محملة بآمال الشعب السوري وتوصيات الرئيس بشار الأسد"، مؤكدا أن "كل من يعتقد أن الوفد السوري ذاهب إلى المؤتمر الدولي حول سورية ليسلم السلطة إلى الآخرين، فهو واهم". وتزامن ذلك مع تصريح للخارجية السورية الذي قالت فيه " ان من يحاول وضع أي شرط مسبق قبل مؤتمر جنيف-2 والتعامل معه على أنه أمر واقع، فإنه يحكم على المؤتمر بالفشل قبل بدئه". إذا كانت هذه الاجواء التي تسبق المؤتمر وتلك التصريحات والتعليقات والمناورات فإن النتيجة واضحة للعيان بكل تأكيد، فإذن ما الداعي لعقد هذا المؤتمر من اساسه طالما ان "الكتاب كما يقال واضح من عنوانه"؟ المعارضة ومن يقف معها يرون بان جنيف 2 ما هو الا تفعيل لقرارات جنيف 1، في حين ان النظام السوري يصر بأنه ذاهب لمفاوضات ولديه موقف برفض مناقشة مستقبل الاسد. وربما كان محقا وزير الخارجية الأميركي عندما أشار الى ان بشار لن يخدع المجتمع الدولي وان "هناك منطقة رمادية بين تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة وبين بدء "آلية" لتشكيل هيئة حكم انتقالي، والشيء الوحيد المضمون هو أن مؤتمر مونترو لن ينهي الصراع، وربما يخرج المؤتمر بتشكيل هيئة حوار بين الحكومة السورية والمعارضة ليس أكثر، لكن المعارضة ستحقق انتصاراً بمجرد الجلوس إلى الطاولة نداً للنظام السوري". ومع كل ذلك واضح ان ثمة إشكالية بين الأطراف سواء المعارضة والنظام او حتى بين القوى الإقليمية المؤثرة التي لا زالت اختلافاتها على ملفات شائكة أخرى تلقي بظلالها على الملف السوري. وبالتالي لا نرى في الأفق تقاربا ولم تنجح الجهود لبناء الثقة بين الأطراف المعنية، ما يدفع الأمور باتجاه الفشل بدليل انه لم يتم الالتزام من قبل النظام بإيجاد ممرات آمنة ولم يتم التوصل لوقف إطلاق النار كما جاء في مطالبة الوزيرين الأميركي والروسي قبل ايام. طبعا الكل يعيش حالة ترقب وبالتالي هناك من يتوقع أربعة سيناريوهات لهذا الاجتماع: الأول: ان المؤتمر سينعقد لكنه سينهار بمجرد انتهاء إلقاء الخطابات الرسمية للأطراف مثلما ينفض السامر ويلملمون خيمة السيرك، لأن طروحات الطرفين متصادمة وكونهما متمسكين بمواقفهما فلن يتزحزحا عنها قيد انملة ما يعني عدم قدرتهما على تجاوز الجدار الذي يفصلهما. السيناريو الثاني: هو انه قد يستمر المؤتمر لعدة أيام ومع ذلك لن يكون بمقدور المعارضة والنظام ردم الفجوة الكبيرة ما بينهما وبالتالي ينتهي بإعلان الفشل للتوصل لحل. اما السيناريو الثالث: وهو الأكثر تفاؤلا ونظرا لرضوخ الطرفين للضغوط الخارجية فانهما سيقبلان بالتصور العام للمرحلة الانتقالية وسيرجئون بحث الدخول في التفاصيل والتي يكمن فيها الشيطان كما يقول المثل الإنجليزي، ويتركانها للمناقشات والحوارات المستقبلية ما يعني مد صورة النزاع لفترات طويلة. وأخيرا السيناريو الرابع: وهو اكثرها تشاؤما وهو انه لن ينعقد في موعده، وسيتم تأجيله لمدد متلاحقة. ولذلك يبدو ان الأمور في المجمل تتجه الى الفشل الا إذا حدثت معجزة. ولكن إذا ارتهنا للسياق الموضوعي نرى ان واشنطن وموسكو تريدان انعقاد جنيف بأي ثمن وذلك لتأكيد العملية السياسية فضلا عن انفكاكهما من الحرج السياسي الذي تورطا به، لا سيما وقد تقاطعت مصالحهما فأوباما لا يرغب في التورط العسكري، وبوتين يهمه بقاء الأسد، وكلاهما يقلق من وجود الحركات الإسلامية الراديكالية. صفوة القول، إذا ما فشل المؤتمر وهو ما سيحدث على الأرجح، فإن ذلك يعني إطالة امد الصراع ما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها توسع الحرب الأهلية التي ستؤدي إلى تقسيم سورية لدويلات علوية وسنية وكردية، ناهيك عن تمدد الحرب إقليمياً. والأيام حبلى على أي حال!