يلاحظ المتابعون للشأن الفرنسي أن الشعب منقسم حول قرار صدر أمس الجمعة من المحكمة الإدارية في مدينة أورليون ويقضي بمنع فكاهي فرنسي من تقديم عروض أمام الجمهور في المدينة. ورأت المحكمة أن إمكانية الإبقاء على العرض من شأنها التسبب في حوادث تخل بالأمن العام. وجاء هذا القرار في وقت تشهد فيه فرنسا جدلا سياسيا وإعلاميا وجماهيريا كبيرا بشأن الممثل مبالا ديودونيه (من أب فرنسي وأم كاميرونية). وبلغ هذا الجدل أشده أمس الأول عندما سمحت المحكمة الإدارية في مدينة "نانت" للمثل الهزلي بتقديم عرضه المسمى "الجدار" أمام جمهوره وناقضت بذلك تعميما من وزير الداخلية الحالي مانويل فالس إلى محافظي المناطق الفرنسية يطلب منهم بموجبه منع الممثل من تقديم عرضه الذي كان مبرمجاً في إطار جولة عبر مختلف الأقاليم الفرنسية. وأقدم الوزير على هذه الخطوة بعد تزايد انتقادات المنظمات والأطراف التي تأخذ على الممثل تقليدا دأب عليه قبل عروضه وبعدها ويتمثل في مد إحدى يديه إلى الأسفل ووضع اليد الأخرى على كتف اليد الممدودة. ورأى منتقدوه في هذه الإشارة تلميحاً إلى الشعارات النازية. واتهموه بمعاداة السامية. وبالرغم من أن الممثل الفكاهي نفى أن تكون وراء هذا التقليد نية للإساءة إلى اليهود وأكد أكثر من مرة أنه لا يعادي السامية ولكنه يناهض الصهيونية، فإن منتقدي الممثل استمروا في الحمل عليه. وإذا كانت المحكمة الإدارية في مدينة "نانت" قد سمحت له قبل يومين بتقديم عرضه، فإن مجلس الدولة الذي يعد أعلى هيئة فرنسية متخصصة في القضاء الإداري منعت الممثل في اليوم ذاته من تقديم العرض معتبرة أنه من شأنه الإساءة إلى القيم والمبادئ الإنسانية وفي طليعتها مبدأ احترام الكرامة الفردية. ورأى وزير الداخلية في قرار مجلس الدولة "انتصارا للجمهورية". ولكن أصواتا كثيرة بدأت تتعالى لدى الأوساط السياسية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تعتبر أن الحكومة الفرنسية ذهبت أبعد مما ينبغي أن تذهب إليه نظرا لأن القضاء وحده مؤهل للبت في ما إذا كانت عروض ديودونيه من شأنها الإخلال بالأمن العام أو الإساءة إلى الكرامة البشرية. وترى أطراف عديدة أن الحكومة تجاوزت فعلا صلاحيتها في ما يخص هذا الجدل حول الممثل الهزلي وأنها أخلت بمبدأ حرية الإبداع أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الجهوري الفرنسي. وبقدر ما تتعاطف الجالية الإسلامية مع الجالية اليهودية لاسيما بشأن عمليات التشويه التي تتعرض لها قبور المسلمين واليهود من حين لآخر، بقدر ما تشعر اليوم بالضيق تجاه الموقف الفرنسي الرسمي من القضية الحالية. فهي ترى أن الحكومة لم تقف إلى جانبها كما ينبغي عندما أقدمت أسبوعية فرنسية على تشويه الإسلام والإساءة إلى المسلمين ونبيهم من خلال رسوم فجة مخلة بالأخلاق وبالمشاعر الدينية. ويشاطر هذا الرأي جانب هام من الرأي العام الفرنسي المنقسم إلى قسمين اثنين: قسم يساند الحكومة وقسم يساند ديودونيه ويرى أنه ضحية مواقفه التي انتقد فيها بصراحة الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.