دخلت فرنسا مأزقا ثقافيا جديدا، يتوقع مراقبون أن يثير جدلا شديدا في الأوساط الثقافية والإعلامية هذه الأيام، حول "حرية التعبير"، منذ حظرت أعلى هيئة في القضاء الإداري الفرنسي أول من أمس عرضا للفكاهي ديودونيه الذي أدين مرارا بتهمة معاداة السامية، قبيل بداية العرض في نانت (غرب) في قرار اعتبرته الحكومة "انتصارا". وردت وزيرة الثقافة أوريليه فيليبيتي بالقول "لدينا الآن قاعدة قانونية مستقرة لمنع انتشار أيديولوجيا الإنكار المختبئة وراء حرية الإبداع". وقدم مجلس الدولة خطر الإخلال بالنظام العام على حرية التعبير، في انقلاب يطال فقه القضاء في فرنسا بعد أن ألغت المحاكم الفرنسية حوالى 15 مرة خلال السنوات الأخيرة قرارات حظر عروض الفكاهي المثير للجدل. وأعرب وزير الداخلية مانويل فالس عن ارتياحه، مؤكدا "أنه انتصار للجمهورية"، مضيفا "لا يمكن التسامح مع كره الآخر والعنصرية ومعاداة السامية وإنكار (المحرقة اليهودية في ألمانيا النازية)، هذا مستحيل، هذه ليست فرنسا". وأضاف أن الرئيس فرنسوا هولاند الذي دعا الثلاثاء حكام المناطق وممثلي الدولة إلى إبداء "الحزم" إزاء معاداة السامية والتمييز "يدعو إلى أن نتجمع من حول قيم الجمهورية وإلى مجتمع هادئ". وأثار حظر عرض الفكاهي في نانت غضب المئات من محبيه الذين دعوا إلى "استقالة فالس"، وطالبوا ب"حرية التعبير" قرب قاعة العروض التي أحاطت بها تعزيزات أمنية كبيرة بينما كان متوقعا حضور 6200 متفرج. لكنهم تفرقوا بعد دعوة ديودونيه على صفحته من "الفيسبوك" إياهم إلى ترك المكان. وكتب الفكاهي على صفحته التي تضم 513 ألفا و571 صديقا "أنهم يبحثون عن المواجهة وبالتالي عودوا إلى منازلكم منشدين (النشيد الوطني) لامارسييز". وفي عرضه الفكاهي بعنوان "الجدار" الذي سبق وقدمه في باريس، كثف ديودونيه (47 عاما) وهو ابن مهاجر كاميروني وأم فرنسية، التهجم على "اليهود" و"حارة اليهود" و"مدينة القبعات (اليهودية)"، كما تعود على هذه الهجمات في عروضه الهزلية. وأعلنت الجمعيات اليهودية الفرنسية التعبئة في وجه الفكاهي المثير للجدل ودعت إلى تجمعات خصوصا الأحد في باريس. وأعرب العديد من رجال مختلف الأديان عن "ارتياحهم" بعد حظر مجلس الدولة عرض ديودونيه، غير أن بعضهم أعرب عن القلق من قوانين جديدة قد تغير حظر الاجتماعات بشكل قمعي إلى حظرها بشكل وقائي. وحذر قانونيون وجمعيات خلال الأيام الأخيرة، الحكومة من صعوبة تبرير "حظر مسبق" لعرض مسرحي، واعتبروه خطوة أشبه ب"الرقابة".