قال المرصد السوري لحقوق الانسان أمس ان مقاتلي المعارضة السورية قتلوا 34 مقاتلا أجنبيا من جماعة تابعة للقاعدة في شمال غرب البلاد خلال الايام الماضية. ووقعت عمليات القتل في منطقة جبل الزاوية وجاءت فيما يبدو في اطار مواجهات بين تحالف من مقاتلي المعارضة السورية ضد الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال وشرق سورية. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري ان غالبية القتلى وعددهم 34 قتيلا من الدولة الاسلامية في العراق والشام الى جانب عدد من جماعة متحالفة اسمها جند الاقصى، وأضاف انهم اعتقلوا وفصلوا عن المقاتلين السوريين ثم قتلوا. ويتعذر التحقق من صحة التقرير من جهة مستقلة نظرا للقيود المفروضة على التغطية الصحفية في سورية حيث تخوض قوات الرئيس السوري بشار الاسد معركة مع قوات المعارضة منذ نحو ثلاث سنوات قتل فيها اكثر من مئة ألف قتيل. واندلع أحدث اقتتال بين خصوم الاسد قبل أربعة ايام في محافظتي حلب وإدلب بسبب رفض الاجندة المتشددة للدولة الاسلامية في العراق والشام والحرب الدائرة قرب الحدود التركية للسيطرة على معاقل في طرق الامداد الرئيسية في شمال سورية. وامتد القتال ايضا الى مدينة الرقة الشرقية وهي المدينة الوحيدة في سوريا التي تسيطر عليها قوات المعارضة سيطرة كاملة. وقالت الشبكة السورية لحقوق الانسان وهي جماعة رصد معارضة أخرى الاثنين ان 71 مقاتلا من الدولة الاسلامية في العراق والشام و20 مقاتلا من جماعات معارضة مناوئة و26 مدنيا قتلوا في القتال لطرد مقاتلي الدولة الاسلامية من الرقة ومناطق اخرى من سورية منذ يوم الجمعة الماضي. ووحد مقاتلو المعارضة السورية صفوفهم لطرد العناصر الجهاديين بهدف بسط سيطرتهم على "المناطق المحررة" في سورية، وايضا لاستعادة موقعهم لدى الغرب الذي علق مساعدته لهم في الفترة الاخيرة، بحسب ما يرى محللون. ومنذ الجمعة، تدور اشتباكات عنيفة بين تحالف ثلاثة تشكيلات كبرى لمقاتلي المعارضة، في مواجهة عناصر "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، علما ان الطرفين كانا حتى وقت قصير في مواجهة خصم واحد هو نظام الرئيس بشار الاسد. ويقول المتخصص في التيارات السلفية المعاصرة رومان كاييه ان "تلاقي عوامل عدة داخلية وخارجية مهد لقيام هذا (التحالف) في مواجهة الدولة الاسلامية في العراق والشام". ويرى هذا الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الاوسط (ايفبو) ان "العوامل الداخلية هي بشكل اساسي تدهور علاقة الدولة الاسلامية مع مجموع الكتائب الاخرى للمعارضة المسلحة، والتي كانت ترفض رغبة الدولة في السيطرة على مجمل الاراضي المحررة"، في اشارة الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وتضاف الى هذا العامل ممارسات الدولة الاسلامية التي تثير حفيظة المقاتلين والناشطين المعارضين. ويقول كاييه ان "مقتل احد قادة +الجبهة الاسلامية+ تحت التعذيب في احد سجون الدولة الاسلامية في العراق والشام، صدم بشكل عميق الرأي العام في منطقة حلب (شمال)، ما وفر شرعية لهذه الحملة العسكرية ضد الدولة الاسلامية". وكان أعلن الاسبوع الماضي عن مقتل الطبيب حسين السليمان المعروف بأبو ريان، وهو ذو شعبية واسعة، على يد الدولة الاسلامية بعد تعرضه للتعذيب. ودفعت سلسلة من اعمال القتل المماثلة والخطف التي يقول الناشطون ان الدولة الاسلامية تقف خلفها منذ صيف العام 2013، بالكتائب المقاتلة الى اعلان حرب مفتوحة ضد هذا التنظيم المتشدد. ويشير توما بييريه، الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية في سورية، الى ان "تصرفات الدولة الاسلامية في العراق والشام باتت لا تحتمل بالنسبة لغالبية المجموعات المسلحة لا سيما محاولات الاستحواذ على المناطق الحدودية، ما يقطع الممرات اللوجستية للمقاتلين المعارضين". ويضيف هذا الاستاذ المحاضر في جامعة ادنبره ان "العديد من المجموعات ارادت منذ زمن طويل التحرك (ضد داعش)، الا انها كانت تواجه بممانعة "حركة احرار الشام" التي كانت تتعاون في شكل وثيق مع الدولة الاسلامية". ويعتبر بييريه ان هذه الحركة، وهي احد ابرز مكونات "الجبهة الاسلامية"، "اعطت على الارجح الضوء الاخضر (لهذه المعارك) اثر هجوم الدولة الاسلامية في العراق والشام على احدى قواعدها قرب حلب واعدام الطبيب" الذي كان ينتمي الى الحركة. ويضيف مؤلف كتاب "الدين والدولة في سورية" ان "ما جعل المجموعات المختلفة تخرج عن تحفظها (على مهاجمة التنظيم) الادانات لتصرفات الدولة الاسلامية الصادرة عن عدد من العلماء، ومن بينهم رجال دين قريبون من الايديولوجية الجهادية". واعلن ابو بكر البغدادي، زعيم الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، في نيسان/ابريل 2013 عن تأسيس "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، عبر دمج "دولة العراق الاسلامية" و"جبهة النصرة" التي كانت ناشطة منذ اشهر في القتال ضد القوات النظامية السورية. ويقول كاييه ان غالبية القادة العسكريين للدولة الاسلامية هم من العراقيين والليبيين، بينما غالبية قادتها الدينيين من جنسيات اخرى، في حين ان غالبية مقاتليها هم من السوريين. وحظيت هذه المعارك ضد الدولة الاسلامية بمباركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يتهم هذا التنظيم الجهادي بانه "سرق الثورة السورية" ضد الرئيس الاسد بسبب ممارساته. وردت "داعش" بالحديث عن "حملة اعلامية" تستهدفها، وتسعى الى "تشويه صورة رجال الجهاد الحقيقي في الميدان". ويشير كاييه الى وجود عوامل خارجية خلف هذه الحملة العسكرية، ومنها ان "المعارضة تريد ان تبدو بمظهر حسن لدى الحكومات الغربية" عبر وضع حد لنفوذ الجهاديين في الميدان السوري. وكانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا اعلنتا في 11 كانون الاول/ديسمبر الماضي تعليق مساعداتهما العسكرية غير القاتلة الى الشمال السوري خشية تصاعد نفوذ الجهاديين في النزاع. ويرى بييريه انه يمكن "لبعض المجموعات المقاتلة من المعارضة ان تكون تحركت على أمل اقناع الولاياتالمتحدة بمساعدتها، لكن اشك بقوة في ان يؤثر ذلك على استراتيجية فك الارتباط الاميركية" في المنطقة. ويربط مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام ابو عبدالله بين هذه المواجهات، واقتراب موعد مؤتمر "جنيف 2" لحل الازمة، والمقرر ان يبدأ اعماله في 22 كانون الثاني/يناير. ويقول ابو عبدالله ان هذه المعارك "على ارتباط واضح بجنيف 2"، وهدفها بالدرجة الاولى "اعادة تجميع تحت مسمى الجبهة الاسلامية لتنظيمات مختلفة واظهار هذه التنظيمات على انها مكافحة للارهاب وفق المفهوم الغربي، في محاولة لاعطاء ورقة للائتلاف كي يستطيع ان يجلس الى الطاولة".