يعتمد وسام بوصفه "أركيولوجي سيرة" في كتابة سيرة حياة منيرة مراد، كذلك حدث في سيرة حياة كافافي، على إمكانات الأركيولوجي في التنقيب والحفر والترميم. فهو في مقدمته رمى حجراً أمام نفسه حين يضع تاريخاً موجزاً للتراجم والسير في الأدب العربي، وتحدّث عن ظهور نصوص السيرة والتراجم في الكتابة العربية، ولن يطلب منه أن يعنى بالمغازي ولا قصص الأنبياء ولا أيام العرب، ولا سير بلوتارخ ولا سير القديسين ولا سواهم. ورمى حجراً آخر في طريقه حين يتساءل عن مؤرخي السير في أوروبا، وكأنه لا تاريخ سير في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا الشمالية والجنوبية! وعن مصطلح "تاريخ سيرة"، وغيابه المسبق حكماً منه في الكتابات العربية الحديثة، وهو يرى أنه لا كتب "منصبة على البطل وحياته" (ص:18) بل مواضيع أخرى ويدلل على ذلك بعناوين عشوائية "عبد الناصر وعصره" أو "مختارات من أشعار صلاح جاهين" أو "صلاح أبو سيف والفن السابع". ولا أظنه يغيب عنه أن لا جامع بين تلك العناوين ولا مقاصدها ولا ما يذكر عن "تاريخ السيرة"، فإذا كنت معه بأنه تكثر الكتب غير الجادة عن الشخصيات السياسية والثقافية (السينما والغناء)، وهي تؤكدها ملاحظاته التي سأعيد صياغتها على النحو التالي: استغلال شهرة الشخصية العامة تسويقياً، وغياب المنهج العلمي دراسة وبحثاً وتحليلاً، والاعتماد على أرشيف الشائعات والمرويات الملفقة، واستخدام الأسلوب الخبري بشكل سردي، والتركيز على أمور ثانوية عن الشخصيات العامة. فإنه توجد كتب أخرى تناولت شخصيات ثقافية بشكل رائع في دراسات تزهو بها المكتبة العربية، ويتوجب أن تكون ملهمة لأي باحث جاد إما للتجادل مع استنتاجاتها وإما ليتجاوزها بفرضيات مستجدة. وحين يضع تنظيراً لمفهومه الذي يطلقه، كمشروع يتعدى شخصيتي: كافافي ومراد، ويعرفه تحديداً ويردفه بعناصر عدة، فهو يرمي قيوداً عليه يعززها بما يفترض توافره في مؤرخ السيرة إلا أنه يتجاهل بأن أساسيات تكوين الباحث، والبحث الذي موضوعه شخصية ثقافية هي جزء من متطلبات أعضاء أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية بالإضافة إلى مراكز ومعاهد البحث المتخصصة. ولكن ما أريد أن أورده هنا هو أنه وضعت كتب متخصصة في سير شخصيات ثقافية، مخصصة لمن يمثلون صناعة الغناء العربي –من عملوا في السينما أيضاً- في القرن العشرين، إذا تجاوزنا سير ذاتية كتبت بأقلام أصحابها ممن امتهنوا التمثيل والغناء والشعر مثل مريم سماط (1915)، وبديعة مصابني (1960)، وروز اليوسف (1956)، فاطمة رشدي (1971)، وأحمد رامي (1979).