قصة الحياة منذ بداية الخلق تقدمٌ وتراجع، انطلاق وتوقف، تدمير للبشرية، ونزوع نحو الفوضى، والتهام كل مقومات الحياة الإنسانية، وأحيانآ جنوح نحو السلم، والأمان، ومنابت الدفء، والتفرغ لقوانين النماء التي تخدم البشرية...! هي ليست قصة إجمالية تتعلق بمجتمعات فقط، أو أمم سادت ثم بادت، ولكنها ترتبط أيضا بحياة الأفراد .. فالعنف الإنساني كثيرا ما كان فرديا، قتل الإنسان لأخيه الإنسان دون مبرر، التعايش مع لحظات عبثية وجنونية لم يتغير فيها سوى الزمان والمكان، ولكن الصورة ظلت واحدة منذ1000عام و100عام واليوم...! هي الغرائز عندما تنفلت وتدمر، وتتجاوز القوانين والمعاهدات في لحظة غضب، وأحيانا"الجهل" وهوالطاغي والمستعبد الأول للإنسان لانه عندما يصبح الإنسان عبدا لجهله يفعل كل مالا يفعله الأحرار حيث يتعطل العقل، ويتوقف التفكير، ويغرق في بحرمن المشاكل! من عصر إلى عصر تغيرت البشرية، وتغير الناس، لكن ظل الفكر الظلامي يواصل حضوره دون الاستناد إلى أي حقائق تدعمه..! تغيرت الأيام ولكن ظل البشر غارقين في تلك الهموم القديمة، وبنفس التفكير القديم أيضا الذي يُبقي على المشكلة ويعالج قشورها! اعتادالإنسان مهزوما أو منتصرا عدم التوقف بعد المعركة، واستنشاق نفس عميق يدفعه إلى استصدار أحكام عادلة وغير جائرة..! يواصل السير حاملا معه"مخلفات الحرب"والحرب هنا مجازية فقد تكون حربا حقيقية مدمرة اقتلعت كل مسببات الحياة...! وقد تكون حربا إنسانية خاضها في الحياة عامة أوخاصة أو في عمل، أو علاقة إنسانية انتهت بكل تفاصيلها، ولكن ظل ذلك الشخص على ثقافته القديمة يتقدم أو يريد المغادرة ولكن حاملا معه تفاصيل ذلك الزمن الذي عاشه...! وقد تكون هجرة من مدينة إلى مدينة، أو تغيير نمط حياة، أو تغيير عمل كامل، أو مجتمع من أجل التخلص من أكداس من التعقيد، والتخفف منها، لبدء حياة جديدة، على أرض ليست بالضرورة أن تكون أسوأ أو أفضل، ولكن لا ترتبط بالماضي، وقدلا تعرف ما بها، لأنها جديدة...تتقدم إليها لحياة مختلفة..! صديقتي (سحر) الإعلامية العربية القريبة من نفسي دائما ما أجدها ضاحكة، ابتسامتها مسبوقة، وروحها الصافية تغمر المكان، يلفتني فيها تمردها على الساكن، ورفضها الوقوف في نفس المكان، على اعتبار أن التوقف يمنع تفكيرا قد يساعد في الحركة إلى الأمام..! حكمتها الشهيرة (امض إلى الأمام دائما.. واصل طريقك..لاتتوقف، لأن الحياة نفسها تغير جلدها كل يوم، وفي هذا التحرك وهذا هو المهم ستفقد أشياء، ستسقط منك أشياء أحيانا لاتشعر بها وأحيانا تشعر أنها سقطت، كمن لديه جيوب وسقطت منه محفظته أو أقلام أو أشياء أخرى.. لاعليك واصل الطريق أكمل مشيك ما سقط كان يُفترض أن يسقط استنفد بقاءه في جيوبك الفعلية والمجازية، اتركه واستمر في المشي، الخطأ الأكبر أن تفكر مجرد تفكير بأن تنزل إلى الأرض وتلتقطه، أو تعود مرة أخرى للبحث عنه، ما سقط سقط وغاب لأنه انتهى اتركه). تضحك سحر وهي تقول (أوعي يا نجوى توطي عشان تأخذي شيئاً سقط منك، كملي الطريق لأن التوقف يستنزف وقتا طويلا.. والحياة لاتستحق ولا تنتظر الباحثين عما سقط منهم..! وأنا أفكر في مقولتها اكتشفت صحتها ومع صديقات أخريات أعجبن بفلسفة سحر، فما يسقط نتخفف منه لنكن أنفسنا في النهاية والتي مع الأسف كدنا أن نفقدها ونحن نفتش عن المفقودات...! ولنكمل الطريق أما إذا توقفنا عند كل فقدان لشيء صغيرا كان أو كبيرا ستزداد ظلمة الطريق وسنفقد الرؤية النهارية المجانية، وستطول المسافة، وستجد نفسك مهتما بالبحث عن المفقودات.. والطريق أمامك تخسره من أجل ما خسرته سابقا..! أخيرا تجذبني مقولة (سوفوكليس)"إن العجائب كثيرة، وأعجبها الإنسان".. هذا الذي يقتل ويدمر، ويحب، ويعشق، وله حق الكلام، والصمت، وهو من ينشرالكوارث، وهو من يزرع السلام، وهو من يسعد البشرية، وهو من يحتمي خائفا داخل حدوده، وهو من تؤلمه تفاصيل إنسانية صغيرة، وتحاصره، ومع ذلك يظل هو أيضا من يتحكم بمزاجه وسيره في ذلك الطريق الممتد متخففا من كل ما يسقط منه.. فالحياة تحتاج أن نعيشها أحرارا غير مثقلين بالهموم، .. وبشجاعة تمنحنا أن نكون"سادة" ذلك الأفق المفتوح وقراءة تاريخه..!